العنصريّة والتطرّف .. بقلم: د.نبيل طعمة

العنصريّة والتطرّف .. بقلم: د.نبيل طعمة

تحليل وآراء

الاثنين، ٩ مارس ٢٠١٥

 وجهان لعملة واحدة، يظهران القبح في صوره المتعددة: بشاعة الكراهية، قماءة الاستعباد اللتين تقفان أمام جدلية الحقّ للإنسان في حياة كريمة عادلة، يؤمّها السلام بين البشرية جمعاء، بعد أن يتم غسل الروح وتطهيرها من العنف والحقد والإقصاء والنظرة الفوقية، والتحول إلى الإيمان، بالواقع المعيش، الذي يجسد جزءاً من الحقيقة الكونيّة، وصولاً لمفهوم الوطنية الطبيعية، التي قامت عليها مبادئ الإيمان بالأرض والإنسان، مشتركات الهوية البشرية؛ كيف بنا نقف أمام ألوانها؛ الأبيض، الأسمر، الأحمر، الأسود، الأصفر؟ وكيف بنا أيضاً نتفرج أمام القتل على الهوية، وجميعنا من شكل الهوية ذاتها؟ ماذا يعني لنا المجرم؟ هل يمثل نفسه؟ أو يمثل مجموعة أفكار يبدعها من شرّه السّاكن فيه؟ أو تخترقه من محيطه أسرته، مجتمعه، ثقافته العامة والتخصصية، أو جنسيته التي تتعلق بصنفه كجنس إنساني، والتي لم تكن يوماً خياره، فكيف بنا نجزّئها والضحية ما ذنبها إن حملت لوناً أو مذهباً أو كانت من طائفةٍ أو دينٍ أو عرقٍ أو لونٍ، وجدت حضورها عليه من دون اختيارها. من يقف وراء إثارة التفرقة؟ النزاعات من يخطط أحداثها ويذكي نيرانها، وما ماهية الفكر المقسّم لهذه الهوية وتحويل المجموع الإنساني إلى أطراف تحمل سمة التطرف المخيف والمفزع، حملت إعادة المجتمعات إلى العدميّة والعبثيّة المؤديين الرئيسين لانتحار الفكرة الجمالية، في غاية الخلق، وتدمير القدرة على متابعة المسيرة الحياتية للإنسان، لننظر في نشأة العنصرية التي قامت مع قيامة العالم في أوروبا وأميركا، وكان من نتاجها استقدام العمالة الملوّنة من شتى أنحاء عالم الجنوب، وجميعها كانت تعمل لخدمة العرق الأبيض الصافي، وتطورت أفكارها؛ إلى أن تمركزت في جنوب إفريقيا البيض والسود، والكيان الصهيوني، العرب واليهود، حتى إنه في أميركا، وحتى وقتٍ قريبٍ، كان ممنوعاً في الولايات الجنوبية أن يمدّ الأسود يده لمصافحة الأبيض، أو الجلوس في الأماكن التي يجلس فيها أو يمرّ من المسارات التي يمرّ منها.
دخولنا الألفية الثالثة مبرمج، هيّأت له الظروف سبل إخراجه ونظم إنتاجه، وبدأت أسئلة كثيرة تنشأ حول الكراهية، ولماذا يكرهوننا؟! وينبغي التغيير، واكتشافهم طبعاً في الغرب وأميركا. إنّ من الضروري تقديم فكرٍ جديدٍ يمسح صورة العنصرية من أذهان البشرية، هذا الفكر يتجلى في تصنيع أدوات وأدوية، تقتل المحبّة، وتفرط عقد الوئام والطموح، وتعزّز الفرقة والكراهية، ترمي إلى شعوب العالم الثالث بشكل عام والعوالم العربية والإسلامية بشكل خاص. ألا يعني لجميعنا ما يجري، بأنهم يحاربون الحبّ في بلادنا. كيف بهم يعملون على تأجيج الكراهية والتطرف، الذبح والقتل بدم بارد؟ ألا نتفكر في الكيفية التي يؤججون من خلالها الصراعات بيننا، لتأخذ الشكل الديني والمذهبي والعرقي، ألا يعني لفكر إنساننا، أنها عملية مسحٍ للعنصرية، وإحلال التطرف بالكراهية محلّها.
من هنا نجد أن ما يحدث حالياً، وينتشر انتشار النار في الهشيم تحت تسمّيات مختلفة، بدأت بالقاعدة، وتطورت بأحداث 11 أيلول 2001، وأخذت تفاعلاتها، تتدحرج ككرة الثلج، إلى أن انفجرت فيما أطلق عليه الربيع العربي، الذي أنجز زلزالاً مدمّراً مستمراً، أنتج تطرفاً عنيفاً، ومسمّيات داعش والنصرة والجهاد والأنصار وبوكو حرام، تقطع الرؤوس، وتحرق الأجساد، وتدفن البشر أحياءً، ترميهم من الأعالي إلى الوديان.. ما هي إلا الوجه البشع للعنصرية، التي خطفت إنسان إفريقيا، ولاتين أميركا، وجنوب آسيا، والهنود الحمر، ساقتهم وكبّلتهم، جلدتهم بالسّياط، وحرمتهم من أبسط حقوق الحياة، اعتبرتهم عبيداً، أجبرتهم على تشييد مدنهم وبلدانهم ومزارعهم، نقلتهم بالسفن من أصقاع العالم تحت شعار الإله الأبيض وممثليه على الأرض، والآن ما نراه، ونشهده من تطرّف وإقصاء وفتاوى، ما هو إلا الوجه الآخر للعنصرية، التي يريد الغرب وأوروبا الصهيونية التبرؤ منها، وأنهم تخلّصوا مما اصطبغوا فيه لقرونٍ عدة، وللأسف يقدمون المشهد الآخر، ولكن بأيدي وعقول الأمة العربية الإسلامية، والإسلامية الإسلامية.
العنصريّة والتّطرف متشابهان تماماً، كما هو حال النهضة الأورو أميركية  التي استحضرت العنصريّة، واستعبدت شعوب العالم الثالث برمّتها، وعصر القوى الاقتصادية التي تحاول صناعة التضاد، فاستنبتت التطرف، تمارس به محو ذاكرة شعوبها حول مفهوم العنصريّة، والغاية الأولى والأخيرة حماية الكيان العنصري الصهيوني الوحيد الباقي على وجه البسيطة، وجعل التطرّف مرضاً مرعباً، تثير رياحه الخوف والرعب، وتشكل الضغط النفسي والفكري على جميع مكوّنات الحياة، وبشكل خاصٍّ إنسانها، وحينما نتفكر بعنواننا، نجد أن الغاية الأولى والأخيرة، تكمن في تعزيز الإرهاب؛ إرهاب الدول للدول، وإرهاب الدولة لأفرادها، وإرهاب الأفراد لبعضهم.