هل المسؤول معزول عن بيئته؟.. بقلم: سامر يحيى

هل المسؤول معزول عن بيئته؟.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ٨ مارس ٢٠١٥

بين تصريح هذا المسؤول أو ذاك، وبين إطلاق إشاعة من مواطن أو صفحة تواصلٍ اجتماعي، أو حتى مجرّد كلمة يطلقها شخص بطريقة المزاح تتحوّل لحقيقة، وتصدّق لدرجة يظنّها الكثير ومنهم في أماكن مقرّبة من صنّاع القرار حقيقة... أو إطلاق اتهامٍ قد يكون صادقاً، لكننا نفشل في علاجه ومعاقبة مرتكبه لعدم وجود دليل، ما يساهم بتقوية المتّهم وتبرئة ساحته بل مكافأته واتهام البريء، بل تشويه سمعته وتحميله المسؤولية المطلقة وتحويله مطيّة للفاسد ليستمر بفساده وتشويه سمعة الوطن وتبديد ثرواته وتفكيك أبنائه.
إن هذا أخطر ما نعاني منه في مجتمعنا العربي، ولاسيما سوريتنا الحبيبة، ولا حل لذلك إلا بالتفكير السليم للجميع بدءاً من المواطن وصولاً للمسؤول...، بدءاً من الكلمة التي نطلقها وصولاً للخبر والمعلومة التي نسمعها، وصياغته بالطريقة الإيجابية المرجوة والهدف الحقيقي منها، لأنّنا نصدّق المعلومة أو الخبر دون أدنى تفكير، عندما نثق أو نحب الشخص، ونتكلّم بها كأنما نحن من قام بها، وإذا كرهنا شخصاً فكل ما يصدر عنه فهو باطل وننسف تاريخه الطويل، وننبش كل تاريخه الأسود البشع الذي أضر ويستمر بالضرر للوطن، رغم أننا قد نكون قبل فترةٍ كُلْنَا له المديح والإشادة لدرجة التأليه في أحيانٍ كثيرة، وفي كلتا الحالتين الخاسر الوحيد هو سوريتنا الغالية، سوريتنا مهبط الديانات وملتقى الحضارات، ولا شكّ أن أيّامنا هذه سيسجّلها التاريخ، ولو أنّها حسب الكاتب والمؤرخ، إنما يبقى الحكم هو القارئ الذي يفكّر بعقله لا بالحروف التي يراها.
بالتأكيد كل إنسان خطّاء، ولكن لا يعتبر الخطأ من المؤسسة أو وسيلة إعلامية إلا خطأً مقصوداً ويخفي وراءه سوء نية، ليس لسوء النية بهذا الشخص، وإنّما بالمؤسسة التي يعمل بها، فالمواطن العادي لا يجد المجال الكافي لمقارنة كل الاحتمالات والتفكير المنطقي السليم، إلا وفق بيئته أو معلوماته التي استقاها أو اهتماماته، لكن في العمل المؤسساتي لا توجد ارتجالية، ولا شيء مفاجئاً، بل كل شيء من المفترض أن يكون مدروساً بدقّة لتوافر المعطيات والمعلومات كاملةً، ما يجعل القائم على هذه المؤسسة مؤهلاً لكل الاستفسارات والتساؤلات والأفكار والاقتراحات، فلا يحرج من أي سؤال أو موضوع يطرح للنقاش، فالمفترض بكل مؤسسة أن يكون على الأقل مديرو الدوائر عشرة أشخاص، وأي عبارة أو معلومة تصدر خطأ عن هذا المسؤول أو الوسيلة تحتمل سوء النية، لأنها تكون نتيجة انفصال هذا الشخص عن واقعه، حيث إن لا تواصل بينه وبين بيئته، إلا إذا كان من حوله يخشى أن يقول له الحقيقة، بل يجمّل له الأمور كذباً، ويكيل له المديح والإطراء (نفاقاً)، أو أن هذا الشخص بالتأكيد لا يغادر مكتبه إلا بمرافقة وكاميرات وسيارته المفيّمة والتي لا يرى إلا ما يريد هو رؤيته، ولا يستمع إلا لمستوى واحد من الأشخاص، وهنا تثبت خطأ مقولة إن القرين بالمقارن يقتدي، لأنّ العمل المؤسساتي يستوجب أن يلتقي الصغير والكبير، الخبير والمبتدئ، العالم والجاهل، الأحمق والهادئ الحكيم، المتكبّر والمتواضع، فهو في سدّة المسؤولية من واجبه لقاء كافّة الأطراف للتمكّن من الوصول إلى خلاصة حقيقية تساهم في إيجاد قرارٍ فعالٍ يشمل كافّة أبناء المجتمع، ولا يستثني إلا القلّة النادرة جداً.
 لنستمع جميعاً لقول الحق والحكمة، لنستفد كلنا من كل شخص نقابله، أياً كان هذا الشخص، فالإيجابي يسهم في زيادة إيجابياتنا في الحياة، ويساعدنا على التفكير ملياً بأمور لم تخطر ببالنا، والسلبي يساعدنا على التفكير بالحلول المناسبة لتصحيح أفكارنا السلبية، وقد نتمكّن من مساعدته على التخلّص ولو تدريجياً من أفكاره وتحويلها لإيجابيات، وإقناعه بصحّة موقفنا وخطأ موقفه..
سوريّتنا تحتاجنا وتنادينا، كلنا معاً، لنبدأ خطوة بخطوة، والآن الآن، لنتمكّن من الوصول للهدف المنشود في ظل الحاجة الماسّة جداً، لأن يبقى الإنسان متفائلاً بحياته، رغم كل الظروف السلبية والخسائر، بأن المستقبل معنا، ويجب أن تكون هذه الأيام العصيبة من كل النواحي دافعاً لكل مسؤول ومواطنٍ ليضاعف بذل الجهد والتفكير والعمل الجاد ضمن الإمكانيات المتاحة، والتوازن المنطقي لجميع أبناء الوطن دون استثناء لتأمين أدنى متطلّبات الحياة الكريمة، بعيداً عن التشنّجات ولوم الآخر أياً كان عدواً أو صديقاً ، وتجاوز الحجج الواهية أو المنطقية، وتحدّي العثرات والمعوقات، فما أكثر المبدعين في بلدي، وما أكثر العباقرة بدءاً من طلاب المدارس، وليس انتهاءً بأبنائنا في المغتربات، ولاسيّما أننا نستذكر بهذه الأيام ذكرى ثورة الثامن من آذار التي انقلبت على واقعٍ فاسدٍ وحوّلت البلد من الانقلابات وعدم الاستقرار ــ واستكملت العمل بعد التصحيح المجيد ــ إلى بلدٍ محوريٍ تكالب عليه القسم الأكبر من العالم لكي يبعده عن طريق الصواب، ويدمّر قدرات أبنائه وموارده البشرية والمادية...... ما يشكّل دافعاً لكي نتمكّن من إعادة إعمار بلدنا والنهوض الجدي للاستثمار الأمثل لكل الخبرات والجهود والإمكانات والموارد ضمن الظروف المتاحة.
نعم علينا ألا نستثني من التفكير المنطقي والجدي والوطني باستثمار أحداً ولاسيّما أبناء سورية في المغترب فهم كنز سوريتنا، ويكفي أن يتعاون 10% منهم مع وطنهم الأم لنعوّض الوطن خسارته المادية وإعادة تطوير وتنمية الوعي وقدراته البشرية، لنتمكّن من الخروج بنتائج إيجابية على المستوى الشعبي الدولي، والاقتصادي المحلي على أقل تقدير.
سوريّتنا لنا فلنعمل لأجلها... كما منحتنا شرف حمل جنسيتها لنكون على قدر هذه الأمانة.