دماء الشهداء وجروح المصابين.. بقلم: فادي برهان

دماء الشهداء وجروح المصابين.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الخميس، ٥ مارس ٢٠١٥

عندما تعرضت سورية للحرب الهوجاء الظالمة التي اجتاحتها وحاولت إسقاطها على مدار سنوات أربع قد مضت، هبَّ أبناؤها البررة ليدفعوا عنها الظلم والجور الذي تربص بها من كل حدب وصوب، ودفع الكثير منهم دمه وروحه فداءً لترابها الغالي، وارتفع عدد الشهداء من المدنيين والعسكريين والموظفين وغيرهم من كافة الشرائح والطبقات وكذلك عدد المصابين والجرحى الذين فقد بعضهم جزءاً من جسده وتحول بعضهم إلى حال يرثى لها جراء إصابته، وشرعت مؤسسات الدولة مشكورةً لخدمة أهالي الشهداء والمصابين على قدر إمكانياتها المتاحة لتأمين المعيشة والرواتب والتعويضات والعلاج وسد النقص والفراغ الذي حلَّ بتلك العوائل.
والغريب المستهجن في الأمر أن دماء الشهداء وجروح المصابين سرعان ما تحولت إلى مادة تجارية رخيصة تُستغل وتُستثمر لأغراض شخصية تصل إلى الدرك الأسفل في الميزان الأخلاقي الذي يجب أن نتمتع به وخاصة عند من لا يدرك أن (الشهداء هم أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر) وهم الذين علّموا العالم دروس التضحية والفداء، ومازالوا خالدين في العقول والقلوب والضمائر، نستلهم منهم بصيص الأمل ونستشعر الأمن والأمان والاطمئنان.
 فيفاجئنا البعض بأنه من ذوي الشهداء أو أقاربهم أو ممن يلوذ ويتمسك بذيلهم عسى أن يناله من بعض المكتسبات المادية نصيب، فيطالب بزيادة ساعات التيار الكهربائي _ على سبيل المثال _ لمنطقته ويطلب علانيةً أن تكون منطقته مميزة عن كافة المناطق الباقية بحجة أنها تحتوي الكثير من عوائل الشهداء، ويـأتي البعض الآخر ليحتلَّ بعض الشقق والبيوت السكنية ويخرج أصحابها منها ليكون نزيلاً في دارهم أمام أعينهم بحجة أن ابنه أو أخاه أو أحد أقاربه استشهد في المحلة أو البلدة التي هُجّرَ منها، ويذهب آخر إلى أبعد من ذلك ليستخدم ضبط الشهادة والأوراق الثبوتية التي منحته إياها الدولة ليدخل إلى بعض المؤسسات متجاوزاً الدور ومتخلصاً من الازدحام وخارقاً لكل القوانين والأنظمة مستخدماً ضبط شهادة قريبه أو أخيه أو... كبطاقة أمنية تخوله الدخول إلى المستشفيات بغير أوقات الزيارة المخصصة، وتبيح له اختراق الدور على المخبز أو موزع اسطوانات الغاز أو محطة الوقود أو البريد أو مراكز تحصيل الجباية والضرائب، مبرزاً أوراق شهادة قريبه ومستعرضاً عضلاته، فارضاً على الموظفين أو المعنيين مصالحه الشخصية التافهة والرخيصة، محتجاً بأنه دفع دم قريبه في سبيل الوطن، وبناءً عليه فإن له كل الحق في أن يعبث كما يحلو له بلا رقيب ولا حسيب، فقد تحولت دماء الشهداء إلى مادة تجارية رخيصة بل أرخص من الرخيصة، لتُستغل وتُستثمر في كل تفاصيل حياة عائلة الشهيد، فبعض ذوي الشهداء اليوم _ ونؤكد على كلمة البعض دفعاً للظلم والافتراء _ أصبحوا من كبار القوم في الاقتصاد والتجارة والعمل وجني الأموال عن طريق المشاريع الاستثمارية، وبحجة استشهاد أحد أقربائهم، توغلوا وتغلغلوا وجنوا واستفادوا وابتلعوا ووظفوا كل قدسية دماء شهدائهم في سبيل تحسين معيشتهم، غير آبهين بالكرامة والمثل والمبادئ التي قدست الشهادة وجعلت منها نبراس هداية وخلود للأوطان والإنسان.
فهل انقلبت الشهادة بمفهومها السامي والخالد إلى امتيازات تجارية واقتصادية ووجاهية واجتماعية وغير ذلك مما يمكن أن يستغله ضعاف النفوس لتوظيف أسمى المبادئ المقدسة في سبيل خدمة أخس وأرخص وأدنى مصالح مادية؟
وهل انقلب المجتمع السوري إلى مجتمع مادي بحت يستغل كل ما بمقدوره لينهض اقتصادياً واجتماعياً؟