التخبط في ممارسة الوالدية.. بقلم: هنادة الحصري

التخبط في ممارسة الوالدية.. بقلم: هنادة الحصري

تحليل وآراء

الاثنين، ٢ مارس ٢٠١٥

إن محاولة رصد الواقع الاجتماعي الأسري بموضوعية، تكشف بوضوح التشوش والتخبط الذي تعيشه الأسرة العربية، ولعل أكبر دليل على هذا التخبط طريقة ممارسة الوالدية.. فعلى الصعيد التربوي نجد أن لدينا أزمة تربية، فنحن نتصرف كقضاة فقط لا نستمع بل نطلق الأحكام، والصراخ والاستهزاء والسخرية والمقارنة والنقد والعقاب هو ما نجيده.
يقول علم النفس الاجتماعي التربوي: إن غياب التواصل الجيد بين جيل الأبناء وجيل الآباء من أبرز المشكلات المجتمعية التي ينعكس أثرها في سلوكيات الأبناء، فالتواصل الحالي أصبح مادياً في حين اختفى التواصل المبني على علاقات وثيقة دائمة تتضمن الثقة بين الطرفين والتراحم والتعاطف. والسبب في ذلك يرجع إلى العولمة ووسائل الاتصال الحديثة التي باعدت بين الأبناء وأسرهم.. وأكثر ما تبرز الأخطاء وضوحاً بالتسلط والمنع والرفض الدائم لرغبات الطفل، والصرامة والعنف والحرمان والأمر والنهي، والإكثار من إبداء النصائح والتوجيه المستمر الذي يهدف إلى تنشئة الأبناء على غرار نوع التربية التي تعرض لها الآباء في الصغر، فقد يلجأ الأبناء إلى تحديد طريقة نوم أبنائهم وطريقة استذكار دروسهم ونوعية أصدقائهم وكذلك ملابسهم.. وهذا بدوره يسبب للأبناء الحرمان من ممارسة حقوقهم وإلغاء شخصيتهم، ما يؤدي إلى شعور الأبناء بالنقص وبالتالي التحطيم.
 نقطة أخرى قد يلجأ الآباء إلى استخدام القسوة في تربية الأبناء وممارسة العقاب البدني والنفسي والتقليل من شأنهم، وهذا ما يجعل الطفل يفقد الثقة في نفسه، ويخاف من تحمل المسؤولية، ويشعر بالقهر والقصور والدونية. إني أرى أن الأطفال في مجتمعاتنا ضحايا العنف التربوي، السؤال هنا: كيف نحقق التواصل الناجح بين الآباء والأطفال؟ بمعنى آخر كيف نحوز إعجاب أبنائنا؟
يركز علماء التربية على القول: إن للإعجاب مدمرات، وهي الصراخ والاستهزاء والسخرية والمقارنة وكثرة النقد واللوم، وعلينا استبدالها بالابتسامة.. فالإنصات للأبناء وهم يبثوننا همومهم مع ما يترافق من ابتسامة، يجعل العلاقة جميلة، وينال الآباء إعجاب أبنائهم.. ولا بأس من لمسة اليد والاحتكاك الجسدي كتشابك أصابع الطرفين، وهذه اللمسة هي رسول الحبّ، وهي كفيلة بالتعبير عن المشاعر، إضافة إلى التشجيع والدعم والمدح، ولا ننسى الحوار والمناقشة واستعمال المصطلحات ذاتها، فهي تحدث الألفة والانسجام.
بديهياً فكرة أن الأبناء حتماً يحبون آباءهم، ولكن لا نريد محبتهم فقط، لأننا آباؤهم، ونقدم لهم الرعاية والهدايا، نريد أن يحبونا، لأنهم أعجبوا بنا وبسلوكياتنا الراقية، فالصدق في التعامل وخاصة عندما نحدث أبناءنا عن حياتنا، فبذلك تترسخ الصورة الذهنية عنا في مخيلتهم، فيصبح الإعجاب محبةً، ثم تقليداً، ثم قدوةً، في وقت نسأل أبناءنا، من هم قدوتهم أكثرهم يعطي اسم ممثل أو شخصية اجتماعية، ونادراً ما يقولون: إن قدوتهم والدوهم.
وفي النهاية لابد من الابتعاد عن العقاب لأن العقاب ومشتقاته تدمر الصورة الذهنية الإيجابية بين الآباء والأبناء لأنهم سيلجؤون إلى سلوكيات عدائية تجاهنا. سلوكيات مقاومة سلوكيات النفور والتفادي ولا يمكن للإنسان أن يتفادى إلا شيئاً لم يعجب به، فلنكن قدوة لأبنائنا..