بعد الدروب يؤثر على قرب القلوب.. بقلم: سامر يحيى

بعد الدروب يؤثر على قرب القلوب.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ٢ مارس ٢٠١٥

في المثل الشعبي الدارج يقال "بعيد عن العين بعيد عن القلب"، هذا المثل بكل تأكيدٍ ينطبق على أرض الواقع، فعندما يغيب أحدهم، صحيح أننا نشتاق له كثيراً، ولن يملأ أحد مكانه، إلا أنّنا لا نشعر بأن عجلة الحياة قد توقّفت من دونه، بل تستمر بشكلٍ روتيني، وقد يأتي من بعده شخص يكمل المسير قد يكون أفضل بكثير مما كان، والبعض أسوأ، والبعض لا يملأ مكانه أحد ويبقى شاغراً، والبعض لا يشعر بشعوره أحد، بالتأكيد ليس هذا المقصود بمقالي، إنما المقصود هو البعد الروحي، فعندما يبتعد شخص عن متابعة أمور أبناء بلده، أو بيئته ومحيطه، بالتأكيد سيبتعد كثيراً عن الدرب الحقيقي والصحيح، ويسلك الدرب الآخر الذي ارتضاه لنفسه، والذي قد يكون بعيداً عن البيئة وحتى الإيجابية منها، ولذلك ترى المسؤول مثلاً عندما يكون مواطناً عادياً يختلف تفكيره عن تفكير المواطن، لسبب بسيط لأنه يتصرّف ضمن المعلومات والمعطيات التي بين يديه، والتي لم تختلف عن المعطيات عندما كان مواطناً عادياً، وخاصة عندما يبتعد عن واقعه الحقيقي، ويتقمّص دور المسؤولية فقط، وهذا جزء مهم للابتعاد الروحي عن المجتمع والبيئة، والانتساب لمجتمع وبيئة معيّنة بعيداً عن أرض الواقع الحقيقي. أيضاً كلنا يدرك أن وسائل الإعلام تلعب دوراً أساسياً في هذا الموضوع، فكلّ منا يتابع مساراً معيّناً لقنواتٍ، بغض النظر عن أي شيء آخر، بل يبرّر لها أخطاءها، فقط لاقتناعه بأنها هي التي تعطي الصواب، ويرفض حتى المرور على الأخرى المناقضة لفكره أو ما أريد له أن يفكّر به، وبذلك يكون الإنسان أسيراً لما تمّ رسمه له بعيداً عن التقدّم والديمقراطية والحرية التي يتحدّث عنها، أو حتى التي ينظّر بها عليه هذا الإعلام أو ذاك، وخاصة التي تدس السمّ بالدسم..
 الابتعاد الروحي هو الخطر الذي يجب أن نتنبّه له، فما أكثر المقيمين خارج الوطن، لكنّهم يتفهمون ما يحصل على أرض الواقع، ويناقشون ما يحصل بكل منطقية ووعي وإدراك، سواءً كان اقتصادياً أم سياسياً أم اجتماعياً، ويطرحون أفكاراً بناءةً للتطور والتقدّم في بلدهم، ويحتاجون من يستمع لآرائهم بشكلٍ فعلي لا مجرّد استماع تنظيري لا فائدة منه ويشعرون بجرح الوطن والمواطن أكثر من المقيم بالوطن نفسه.. وهناك الكثير من المواطنين، الذين يقيمون جسداً في الوطن، لكنّ روحهم تعلّقت بقنوات معادية لوطنهم، فتشبعوا بأفكارها، ويعملون بعكس مصلحة الوطن، وما أكثر الذين يدّعون الوطنية، لكننا نراهم ينهارون أو ينهزمون مقابل أدنى خبر سلبي يوهن من عزيمة الأمة، ومقيم خارج الوطن، مهما انتشرت الشائعات فإن محبّته لوطنه لا تنقص بل تترسّخ، لأنّ روحه منطلقة من الواقع الوطني المستند لمبادئ ثابتة لا تتغير مقابل شائعةٍ أو أكذوبة... من هذا وذاك... بالتأكيد لا يوجد شخص حر بالمطلق، فكلّ منا أسير أفكاره، ولكن شتان بين أسير الأفكار الذي يفكّر بشكلٍ منطقي بما يؤمن به، وبين من يتلقى المعلومة كما هي دون أدنى تفكير بدقّتها وصحّتها وحقيقتها، ولا أحد ينكر أن هناك تعصّباً إيجابياً أو سلبياً، وفي كلا الحالين يصب سلباً للمنطق الوطني والمصلحة الوطنية وحريّة الإنسان نفسه.. فالوطن يحتاج منا التفكير المنطقي للوصول للصواب بما ينعكس على مصلحته التي هي مصلحة كل أبنائه... فما ينطبق على المواطن الغربي أو الإفريقي أو الآسيوي أو............ لا ينطبق على المواطن العربي، وما ينطبق على المواطن العربي في هذا القطر قد لا ينطبق على آخر، ولو تشابهت الأفكار والطموحات والآمال والمعطيات.
نعم إن ابتعاد الروح والاغتراب النفسي هو الذي يجب أن نعالجه، وهذه مسؤولية تناط بالإعلام الوطني بكافّة أشكاله، عبر برامج ولقاءات وأخبار، وتقرّب ما بين الشخص ووطنه ووسائل إعلامه، وإبعاده عن استقاء معلوماته من الخارج، وذلك عبر تفعيل الإعلام الوطني لجهود كافّة العاملين به، لتطويره ضمن الإمكانيات المتوفّرة، والخبرات الموجودة لديه، وهي كفاءات يشهد لها، لو استثمرت بالشكل الصحيح لقدّمت أضعاف ما تقدّمه الآن... ولاسيّما عند الانتقال لمرحلة العمل الجماعي الوطني، بعيداً عن الشخصانية والمادية...
 ولا نتجاهل الوسائل الأخطر تأثيراً في الجيل، التي هي الجوامع والكنائس، إضافة للمدارس، واللقاءات اليومية والنقاشات التي تجري بين أبناء الوطن، والتي نخالها نحن لا أثر لها، ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يتطلّب إيجاد آلية بناءة لتوجيه الرأي العام، عبر بث الشائعات الإيجابية وتشجيع النقاشات الوطنية الجدية الحقيقية، والانتقال من مرحلة نقل الشائعات إلى مرحلة الحديث المنطقي الجدّي، ودس السم بالعسل، إلى الاعتماد على معلومات حقيقية، وتحليلات منطقية مستندة لأرض الواقع، بعيدةً عن التنظير الذي يسهم في تدمير معنويات المواطن، سواءً عبر المغالاة في المعلومات التي يتبيّن كذبها فيما بعد، ولو كانت إيجابية، أو المغالاة في السلبية، فكلّ منهما له تأثيره السلبي، فما يحتاجه كل منا هو المعلومة الحقيقية المستندة لتحليل منطقي نابع من الواقع المتاح ضمن الإمكانيات المتوفّرة، بما يحفّز كل مواطنٍ ليكون جزءاً من الوطن، وعنصراً فعالاً فيه، وبذلك نسرّع من مرحلة الانتصار وإعادة الإعمار، فالمسؤول أو الوطن لا يحتاج لمديحٍ منك دون عمل أو عطاء، وكذلك لن تضير المسؤول في البلد شتيمة من هذا أو ذاك، ولو كانت هذه الشتيمة لها شيء من الواقع تحت شعار مكافحة الفساد، لأنها تسهم بتثبيت أقدام هذا المسؤول تحت شعار "الشجرة المثمرة ترمى بالحجارة" لانعدام وسائل الإثبات والاكتفاء بقيل عن قال، فتصب بمصلحة المسؤول الفاسد لا ضدّه.... فالوطن بحاجة جهد كل أبنائه دون استثناء... بالعمل يداً بيد للوصول لأرضية قابلة للتطبيق على أرض الواقع..
نعم إن القلوب ــ ومهما بعدت الدروب ــ هي السراج الذي يهدينا للسير على الطريق القويم وتجعلنا في قلب الوطن وقلب أبنائه، مهما ابتعدنا جسداً، وعندها نبقى على تواصل مع وطننا وبلدنا ضمن إمكانياتنا وواقعنا ومجال عملنا.. فليس الدرب هو الطريق وليس الدرب هو الابتعاد الجسدي، الدرب هو الابتعاد الفكري والروحي، الارتهان للخارج والأجنبي، الارتهان للآخر الذي يغلّف مصلحته الشخصية بعواطف وخطابات إنسانية الهدف منها تدمير هذا الإنسان من داخله، وجعله يدمّر بلده بيده..
 سوريتنا تنادي كلاً منا ليحبّها من قلبه مهما بعدّت المسافات أو قربت، فكم من هم في حضن الوطن لكنهم أغراب، بل أعداء لهذا الوطن....... فلنوقن جميعاً أن الوطن هو بيتنا الأول، ولولا الوطن لما استطاع كل منا تشكيل أسرته الصغيرة، ويكفي شرفاً لكلٍ منا أنه ينسب لوطنه، ولو غادره أو تركه منه منذ عشرات السنين..... ولو تخلّى عن جنسيته الأصلية، يبقى يُنسب لمسقط رأس عائلته وجدوده.