مغفور له رغم أنفه!.. بقلم: إسماعيل مروة

مغفور له رغم أنفه!.. بقلم: إسماعيل مروة

تحليل وآراء

الاثنين، ٢ مارس ٢٠١٥

بحثاً عن كسل، بحثاً عن راحة ومكسب، نلقي كل همومنا على الغيب! هو وحده القادر على ألا يبوح، هو وحده الصامت الذي يطمر أخطاءنا وخطايانا ليخفيها عن أحبتنا لنخرج بالبراءة والطهر! الغيب وحده هو الذي يستريح الكسول في أحضانه، ويكسب المتسلط فيستغل البسطاء الدراويش، ليبقى وحده المتحكم والحاكم! والعقل وحده هو المتعب الذي لا راد لتعبه سوى العمل، وما من عبث قال نبي الشعر (ذو العقل يشقى بعقله) العقل شقاء وعمل تعب، والغيب راحة وترقب ونعيم لأخي الجهالة أولاً، وللسلطات المتعددة وعلى رأسها السلطتان السياسة والدينية.
كل يوم نسمع حواراً، نسمع حديثاً، كل خمس جمل في حديث أحدنا مع آخر يتخللها لفظ الألوهة والمشيئة عشر مرات، الجميع يستمع ويسكت، الكل يصمت، فالألوهة والمشيئة هي الأمر الذي لا يناقش ولا يجارى بحال من الأحوال، ولا يتجرأ أحدنا على طلب التوكيل بالمعرفة والحديث من المتحدث نيابة عن غيب وألوهة..! والأغرب الأطرف المبكي والمحزن أن يتجول أحدهم حياته كلها في إطار العلمانية، والعلم، وعندما يصل إلى عمر معين يعود عن قناعاته كلها، ليستقر في مسجد أو كنيسة أو كنيس تحت عنوان التوبة أو العودة عن الضلال، وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يعفى هذا العائد عن ضلاله عن عقود قضاها ضالاً؟ وهل عاد عن غيّه وضلاله لقناعة أم لاحتواء مجتمع يرفض الاختلاف؟!
وربما لا يعود هو من ذاته، بل يعاد رغم أنفه إلى حضن الاحتواء ليفقد الاختلاف الذي أعطاه مجده ذات يوم وزمن!
هل سمعتم بهم؟ هل أعدهم؟ إننا نعرف نماذج خطيرة، فهذا الذي انتقل عن الفكر القومي إلى اليساري الماركسي، وقضى حياته حكيماً ورافضاً، وقضى حياته سارداً مذكراته في نضاله لتحرير إرادة العقل، ولكنه عندما أغفى إغفاءته الأخيرة التي لا صحو بعدها، مدد في كنيسة، وصلى عليه خصوم الأمس، ودعوا لراحة روحه، ولا أراهم غير شامتين بهذا الخصم العنيد الذي لم يعرف اسم واحد منهم!
وهذا الذي تزعم الحزب الماركسي بعد رحيله ورغم أنفه عن الدنيا كما يرحّل البسطاء أو المشايخ الذين حاربهم حياته كلها! بل نشر خبر وفاته بطريقتين واحدة تناسب معتقده السياسي، وواحدة تناسب منبته الديني، ولم يبق إلا أن توضع أمام اسمه عبارة الحاج بعد أن طلبت له المغفرة بعبارة (المغفور له بإذن الله)!
وهذا الذي يضرب المثل بعناده ورغبته العلمانية وحياته الكفاحية، يقابلك في طريق الجسر الأبيض محمولاً في سيارة دفن الموتى، وصوت القرآن يعلو، وسائق السيارة يدعو بالرحمة والمغفرة للراحل، وأغفل أن يسبق اسمه بالرفيق! لا أعترض على أحد، ولكل شخص طريقته في الاستقبال والوداع، ولكن ما يهمني هو نحن أولاً، فلم يضحك علينا أحدهم ويسرق أعمارنا، وربما ندخل السجون بسببه، وفي النهاية يرحل كما يرحل أجدادنا، وربما سفح أعمارنا على قدميه عندما يغسّل على سنة الله ورسوله، وأفكارنا تتحول إلى قطن يسدون بها ثقوبه العديدة!
لهفي على مجتمع يشدك إلى الخلف دوماً، بغض النظر عن مكانة الأمام والخلف، مجتمع لا يسمح لك بالاختلاف عنه حتى في الخطأ، فأنا لا أحكم على الاختلاف بالصوابية، وإنما أحكم على الاختلاف بالحرية، يسلب المجتمع حريتك في أن تختلف أو تبدع أو تجنّ، فإن أنت ركنت إلى عملية السلب خسرت حياتك وخصوصيتك، إضافة إلى عمليات السلب العديدة التي يتعرض لها أحدنا من المؤسسات التي تمارس الوصائية البغيضة، تلك الوصائية سياسية واقتصادية ودينية وثقافية والتي تعدّك جاهلاً وهي تفكر عنك وتخطط عنك، وتتنفس عنك، وتمارس كل شيء نيابة عنك وأنت غير القادر على الفعل، وغير القادر على العمل والتعبير عن نفسك!
تلك الوصائية التي تعمل على اجترار كل شيء، لتفقد الماضي جماليته وخصوصيته وشروطه الموضوعية، وتسطح الحاضر، وتلغي المستقبل بما فيه من نصاعة تنتظر أيامنا التي لم ترَ النور بعد..!
ضعوا كل الكتب المقدسة وغير المقدسة فوق بعضها، استعينوا بها للقسم، لكن لا تخرجوا منها ما يجعلنا دون دراية ووعي، فمن شاء كان لاهوتياً، ومن شاء كان ذاته الجميلة الخاصة المختلفة..!