أطفالنا... أكبادنا.. بقلم: د.خلود أديب

أطفالنا... أكبادنا.. بقلم: د.خلود أديب

تحليل وآراء

الاثنين، ٢ مارس ٢٠١٥

تحول مشهد تسول الأطفال السوريين في الشوارع إلى أكثر من ظاهرةٍ اجتماعيةٍ مَرضيةٍ مرذولةٍ. الأمر تعدى كونه حالة توصيف للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي في سورية، وخاصة نتيجة الحالة الراهنة في ظل الأزمة في سورية, وتحول إلى عملٍ منظمٍ من عصاباتٍ قيّمةٍ على هؤلاء الأطفال، سواء أكان أفرادها ينتمون إلى عائلة الطفل المتسول أو غرباء عنه. إنها أسوأ شكلٍ من أشكال عمالة الأطفال، حيث إنها تشكل آفةً اجتماعيةً، بل جريمةً إنسانيةً خطيرةً تسلب الطفل عناوين طفولته، من براءةٍ وروح غضة بكر وفكر عذري ينتظر البذرة المناسبة لتغذيته وبناء مراحل نموه. هي ظاهرة تحرمه من حقوقه المنصوص عليها في المواثيق الدولية، والتي يفترض أن تنعكس في القوانين الوطنية، لا نظرياً فحسب، بل عملياً على أرض الواقع.
أهم هذه المواثيق الدولية يتمثل في اتفاقية حقوق الطفل، وهي ميثاقٌ دوليٌ يحدد حقوق الأطفال المدنية، السياسية، الاقتصادية والثقافية. وتراقب تنفيذ الاتفاقية لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة المكونة من أعضاء من مختلف دول العالم.
وقد صدّقت أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على الاتفاقية بشكل كامل أو جزئي، ومنها سورية. وقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إدراج الاتفاقية من ضمن القانون الدولي في 20 تشرين الثاني / نوفمبر 1989؛ وقد دخلت حيّز التنفيذ في 2 أيلول / سبتمبر 1990، بعد أن صدّقت عليها الدول الموقّعة. بحسب الاتفاقية يعرّف الطفل بأنه كل شخص تحت عمر الثامنة عشرة لم يكن بلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب قانون الدولة.
تعترف الاتفاقية أن لكل طفل حقوقاً أساسية، تتضمّن الحق في الحياة، الحق في الحصول على اسم وجنسية، الحق في تلقي الرعاية من والديه والحفاظ على صلة معهما حتى لو كانا منفصلين.
تلزم الاتفاقية الدول بأن تسمح للوالدين بممارسة مسؤولياتهما الأبوية. كما تعترف الاتفاقية بحق الطفل بالتعبير عن الرأي، بحمايته من التنكيل والاستغلال، أن يتم حماية خصوصياته، وألا يتم التعرض لحياته، وأن يتمتع بالرعاية الصحية الكاملة، والضمان الاجتماعي. كما تؤكد الاتفاقية  حق الطفل في التعليم، وواجب الدولة في العمل على تحقيق هذه الغاية على أساس تكافؤ الفرص ومجانية التعليم الإلزامي، وعلى تحديد حد أدنى لعمر الطفل، لا يسمح له بالعمل دونه. كما تنص الاتفاقية على أنه تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الاتجار بهم لأي غرض من الأغراض أو بأي شكل من الأشكال.
وتلزم الاتفاقية الدول الموقعة أن توفّر تمثيلاً قانونياً في أي خلافٍ قضائيٍ متعلّقٍ برعايتهم وتطلب أن يتم سماع رأي الأطفال في تلك الحالات. وتمنع الاتفاقية إعدام الأطفال.
وهكذا نرى أن الاتفاقية تتمحور حول الطفل: حقوقه واحتياجاته، وتطلب أن تتصرّف الدولة بما يتوافق مع مصلحة الطفل المثلى. وما تقدم ما هو إلا مختصرٌ لما جاء فيها، لتعلقه بظاهر التسول بشكل أو بآخر، لا عرضٌ لجميع تلك الحقوق.
وللاتفاقية بروتوكولان إضافيان تبنتهما الجمعية العامة في أيار / مايو 2000 ويسري مفعولهما على الدول التي وقعتهما وصدّقت عليهما: البروتوكول الاختياري بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة والبروتوكول الاختيـاري بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية.
وهكذا نرى أن أطفالنا المشردين المتسولين في الشوارع هم عرضة لانتهاك أي من تلك الحقوق، إن لم نر اجتماع غيابها في أكثر من حالة.
ولا بد لنا من القول: إن محاربة عمل الأطفال في سورية، بشكل عام، والتسول بشكل خاص، والقضاء عليه لا يقتصر على إصدار القوانين والتشريعات الوطنية، التي بدورها نظّمت عمل الأطفال في سن معينة لا تقل عن/15/ سنة وهي مرحلة التعليم الأساسي، بل لا بدّ لنا من تطوير آليات نظام التفتيش والمراقبة حول عمالة الأطفال بالتعاون مع الوزارات والجهات الحكومية المعنية( الشؤون الاجتماعية، الداخلية، التربية، والإعلام)، إضافة إلى إشراك المجتمع المحلي والأهلي في نشر الوعي للحد من هذه الظاهرة. وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أن قانون حقوق الطفل السوري يجري العمل عليه منذ عام 2006، ولم يرَ النور حتى تاريخه، على أهميته، لجملة عوامل وأسباب، قد تكون جوهرية أو واهية، ولكنها لا تلغي مسؤوليتنا جميعاً تجاه النتائج السلبية المتصاعدة على نحو متسارع لا يصدق على أطفالنا، أمل المستقل كما يحلو لنا التغني بهم، ولا يبرر تأخر صدوره لما يقارب العقد الكامل حتى الآن. الأمر برسمنا جميعاً، مسؤولين وأهالي ومواطنين ننتمي إلى هذه البقعة من الأرض، ويقع على عاتقنا القيام بواجبات بقدر ما لدينا من حقوق تجاه أطفالنا، إن لم تكن قيمة واجباتنا تفوق حقوقنا تجاه أطفالنا لاعتمادهم الكلي علينا بحكم فرق العمر، على الأقل.