قرارات لا تحمد عقباها .. بقلم : إيفلين المصطفى

قرارات لا تحمد عقباها .. بقلم : إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

السبت، ٢٨ فبراير ٢٠١٥

Evlism86@gmail.com
لطالما كانت السياسات الاقتصادية تقوم على مبدأ تحقيق المنفعة العامة للجميع والوصول إلى نمو اقتصادي، يعود بالنفع على جميع شرائح المجتمع من مواطنين وحرفيين وتجار وصناعيين ورجال أعمال إلى ما هنالك من شرائح يطول تعدادها وتسميتها.
ومن البديهي أن تنشأ السياسات الاقتصادية في أي بلد مهما كان تصنيفه أول أم ثالثاً على مبدأ الشفافية الذي يساهم في خلق جسر من الثقة بين الحكومة والمواطن. هذا في منحى العمل السياسي الاقتصادي القائم على تحقيق أهدافه بالوصول إلى وضع اقتصادي قادر على مواجهة الأزمات مهما كانت، أما في منحى آخر فإنه من الضروري أن يقوم المسؤولون عن الوضع الاقتصادي باتخاذ قرارات وإصدار قوانين مدروسة بشكل دقيق لآن الوقوع في أي ثغرة قانونية أو إصدار قانون أو قرار بشكل غير مدروس ستكون نتائجه كارثية خاصة إذا كان الوضع الاقتصادي غير مستقر ويعاني من اضطرابات نتيجة عوامل و ضعوط سياسية.
سورية ليست الدولة الوحيدة في العالم التي تعاني من أزمة، وليست الوحيدة التي يعاني اقتصادها الكلي من عدم استقرار لكنها متميزة بكون فريقها الاقتصادي يتخذ قرارات غير حميدة النتائج والعواقب والتي يفترض ألا يتم اتخاذها إلا بعد دراسة شاملة ومشاركتها مع الشريحة المعنية بالقرارات التي يتم اتخاذها لمعرفة أثره ومدى جدوى هذه القرارات سلبية كانت أم إيجابية.
ومن السهولة على المتابع للشأن الاقتصادي إيجاد أمثلة عديدة عن الميزة التي يتمتع بها الفريق الاقتصادي وخاصة أن القرارات الاقتصادية التي تم اتخاذها سواء قبل الأزمة أو خلالها خير دليل على ذلك. مؤخراً بتاريخ 28 من شهر كانون الثاني العام الجاري تم إصدار المرسوم التشريعي رقم /11/ المتعلق بضريبة الإنفاق الاستهلاكي وبالاطلاع على التعليمات التنفيذية للمرسوم يتبين أن المرسوم التشريعي شمل في بنوده فرض رسم مقداره 5% على المصوغات الذهبية أي ما يعادل حوالي /400/ ألف ليرة سورية على كل كيلو غرام من الذهب يتم ختمه ودمغه في الجمعية الحرفية، وبالطبع فإن القرار الصادر تبين أنه يتضمن ثغرات عدة من ضمنها بأن المواطن السوري سيدفع 400 ليرة إضافية على كل غرام تذهب لوزارة المالية، من الثغرات الأخرى ضمن القانون والأكثر تأثيراً وضرراً على الاقتصاد الوطني هو أن القانون لم يأخذ بعين الاعتبار أن الذهب يعد أداة استثمارية ولم يميز بين الليرة الذهبية والسبيكة والزينة وبالتالي كيف يمكن لأي شخص أن يستثمر في شيء سيضطر لدفع خسارة فيه بنسبة 5% بشكل مباشر وخاصة أن الذهب يتم إعادة تدويره بمعنى أن الذهب ذاته سيتم الدفع عليه مرات عدة رسماً بنسبة 5% دون أن ننسى وجود رسم جمركي إضافة إلى أنه مع مضي الوقت يتم بيع القطعة المصاغة ويعاد تشكيلها من جديد بمصاغ آخر ويعاد دفع 5% مرة ثانية من هنا كان يتوجب على القانون أن يستثني الليرات والسبائك من الضريبة وأن يفرق بين الذهب الذي يعتبر عملة والصياغة وأن يقتصر فقط بفرض ضريبة على الجمارك" إدخال الذهب لأول مرة" وإن كان هذا الأمر أيضاً غير محبذ اقتصادياً باعتبار أن الذهب يعد من العملات الصعبة ومن غير المنطقي اقتصادياً فرض ضريبة على دخول عملة صعبة للبلد.
الثغرات التي تبيناها ضمن المرسوم أثار حفيظة العديد من العاملين في ورش الصاغة من حرفيين وبائعي ذهب الذين أكدوا بأن القرار كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير، حيث ساهم بإيقاف سوق الذهب وورش الصاغة عن العمل الأمر الذي تكمن خطورته في نواح عدة منها بأنه منذ صدور المرسوم ودخوله حيز التطبيق لم يقم أي حرفي بمراجعة جمعية الصاغة لختم أي كمية من الذهب وذلك بسبب أن رسم الإنفاق الاستهلاكي يعد باهظاً جداً ومجحفاً بحق هذه الحرفة ولا يتماشى مع الواقع وسيكون له تداعيات كارثية على الاقتصاد الوطني لأنه سيساهم في ارتفاع نسبة تهريب الذهب للخارج وهجرة ما تبقى من الأيدي العاملة الماهرة من أصحاب الورشات للخارج إضافة إلى أنه ستزداد عمليات الغش والتلاعب والتهرب الضريبي وتزوير أختام الدمغة وزيادة حالات التحايل القائمة على فك الختم والدمغة عن مصوغات خفيفة وإعادة وضعه على مصوغات ذات أوزان كبيرة إضافة لحالات أخرى من الغش والتدليس.
حال ورش الصاغة لم يكن أسوأ حالاً من متاجر الذهب التي خوت على عروشها فارغة فقد نفد ما لديها من مصوغات وهو ما ينذر بالأسوأ في حال لم يتم إعادة النظر في هذا القرار الأمر الذي سيدفع المواطنين للبحث عن طرق بديلة للاستثمار والادخار ومنها شراء العملات الأجنبية كالدولار وهو ما سيلحق أكبر ضرر بالاقتصاد الوطني وبالتالي فإنه لابد من إعادة النظر سريعاً برسم الإنفاق الاستهلاكي على الذهب بشكل يتماشى مع الأوضاع الاقتصادية الراهنة وعدم التساهل بما ذكرناه من مخاطر باعتبار أن الأمر يخص شريحة معينة والمقصود بهم الصياغ, فالذهب ثروة اقتصادية حقيقية لأي بلد ويعتبر أداة استثمارية مهمة في كافة المجتمعات.