بعد «شبه» الانفتاح على القيادة السورية: من الذي غاب عن اجتماعات مملكة «آل سعود»؟

بعد «شبه» الانفتاح على القيادة السورية: من الذي غاب عن اجتماعات مملكة «آل سعود»؟

تحليل وآراء

السبت، ٢٨ فبراير ٢٠١٥

 بينما كانت معاول أردوغان تنكش قبر جده «سليمان شاه» بتنسيقٍ كاملٍ مع داعش خلسةً وتحت جنح الظلام، ظناً منه أنه سيهرب من الجغرافيا إلى التاريخ، كانت مطارق داعش وعلى مرأى الجميع تحطِّم الحضارة والتاريخ، ظناً منها وممن يدعمها أنها الوسيلة الأجدى لمحو الجغرافيا.
في مكانٍ آخر، وبينما كان النواب الفرنسيون الذين زاروا سورية، يعبرون الجغرافيا بهدف إعادة كتابة التاريخ، كانت المعاول الكلامية لـ«فرانسوا هولاند» ورئيس وزرائه -الجاهز من الآن ليكون الوريث القادم لمستقبل الاشتراكيين- تُطربنا بالحديث عن مفهوم «الخطأ الأخلاقي» في معرض توصيفهما لزيارة الوفد البرلماني الفرنسي إلى سورية.
تبارى الرجلان في التصويب على هذه الزيارة، تحديداً أن الانتخابات الفرنسية باتت على الأبواب وموسم «التكاذب» كما يسميه بعض الفرنسيين قد بدأ مبكراً، فيما يبدو أن الأمور لم تعد مُطمئنةً للأحزاب التقليدية مع الصعود المتنامي لليمين المتطرف.
مبدعٌ هو فرانسوا هولاند عندما يتحدث باسم القيادة الاشتراكية عن «الأخطاء الأخلاقية»، لأن حديثه هذا يُذكرنا بحديثه خلال حملته الانتخابية عن «الأخلاقيات» التي تمنعه من التحدث إلى الطغاة والديكتاتوريين أو استقبالهم، لنراه بعد ذلك يسهر في الرياض ويستجم في الدوحة.
من هنا قد نبدو أمام حالةٍ من اللاتوازن في كل من فرنسا وتركيا والكيان الصهيوني نتيجة اقتراب الانتخابات، يُضاف إليها حال الغليان التي يعيشها بنيامين نتنياهو نتيجةً لسوء العلاقة مع إدارة أوباما، فالفشل بما يتعلق بالموضوع السوري بات أكبر من المتوقع عندهم، والأهم هو مرحلة التحضير لما يمكننا تسميته: ما بعد الاتفاق الأميركي الإيراني.
فرانسوا هولاند لا يريد أن يكون في حالة «التعايش» مع أغلبية قادمةٍ من خارج الحزب الاشتراكي، لذلك رفض رفضاً قاطعاً ما تحدث عنه النواب الفرنسيون بأن محاربة داعش لا يمكن أن تتم من دون التنسيق مع القيادة السورية. أمّا رجب طيب أردوغان فقد بات يعاني الأمريّن؛ إذ لا يمكن لنا فصل الكلام الذي قاله رئيس الاستخبارات الأميركية بالأمس عن دور تركيا في تسهيل مرور الإرهابيين وداعش إلى سورية عما عنونته «الأوبزرفر» البريطانية واعتبارها تركيا «شرياناً اقتصادياً» أساسياً لداعش.
هذا الكلام وفي هذا التوقيت لا يمكن إلا أن يترك لدى الناخب التركي أثراً، تحديداً أن حال أردوغان لا ينحصر في السعي للفوز بأغلبيةٍ برلمانيةٍ تُمكنه من تشكيل حكومةٍ جديدةٍ، لأنه حتى الآن فيما يبدو يضمن ذلك، لكن خسارة أردوغان هي بفشله بالحصول على الأغلبية المطلقة التي تمكنه من إجراء التعديلات الدستورية وتحويل تركيا من نظامٍ برلماني إلى رئاسيٍ ليعود حاكماً مطلقاً لسلطنته.
هنا يبدو الاختبار الحقيقي لأردوغان الذي على ما يبدو حلماً صعباً، تحديداً أن العدالة والتنمية أخفق بفرض هيبةٍ تركيا في المنطقة كما كان يدّعي، والهشاشة في المواقف هذه بدت واضحة من خلال سخرية بعض الصحف التركية من حادثة «سليمان شاه»، فصحيفة «راديكال» مثلاً قالت ساخرةً: إن العمق الإستراتيجي لأوغلو هو 180 متراً فقط عن الحدود.
عليه، هل يمكننا القول: إن أردوغان بدأ فعلياً بالبحث عن بدائل تُخرجه من حالة «اللاعودة» التي أوقع نفسه فيها عندما رفع السقف عالياً في مطالبه التي ظاهرها رحيل القيادة السورية وباطنها الاستيلاء على سورية؟
في مقال الأسبوع الماضي، تحدثنا عن فرضية «اجتماع داعمي الإرهاب تحت أي راية كانت» من أجل تحقيق طموحاتهم في سورية، وما هو «بعدَ بعد» سورية.
يُقال إن السياسة لا تعتمد على المصادفة، فليس من مصادفة تجعل من زيارة أردوغان لمملكة «آل سعود» -السبت- متزامنةً مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي –الأحد-. هذا الأمر بات حاجة وضرورة يمكننا اختصارها باتجاهين أساسيين:
في الاتجاه الأول، لا يمكننا توقع عدم انصياع أردوغان لرغبة «آل سعود» في المصالحة مع مصر وكفّ اليد عما يمكننا تسميته «الزعامة السنية» مقابل بعض المغريات الاقتصادية التي تنهي الجفاء بين البلدين إذا كان ثمن هذا الأمر هو فك العزلة التي يعاني منها أردوغان حالياً، تحديداً مع تواصل الحديث في الكواليس عن فخٍ ما نصبه بوتين لأردوغان عندما تحدث عن فكرة «غاز الجنوب» ومروره في تركيا، على حين إن الأمر لا يعدو كونه مناورة «بوتينية» أوصلت أردوغان إلى منتصف البئر وستقطع الحبل به عندما يقتنع الأوروبيون بالرؤية الروسية للحل في أوكرانيا. هذا ما أكدته بشكل غير مباشرٍ أنجيلا ميركل عندما تحدثت عن حلٍ يضمن الأمن ولا يكون تصادمياً مع روسيا، وبمعنى آخر الأمن يتحقق بالاتفاق مع روسيا وليس بالتصادم معها.
أما الاتجاه الثاني، فقد يكون متعلقاً بما يجري بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.
«صدق» رئيس الموساد السابق «مئير داغان» عندما علّق على إشكالية خطاب نتنياهو القادم أمام الكونغرس بالقول: إن الإيرانيين يشاهدون هذه المسرحية ويحتفلون لأنهم نجحوا في دق إسفينٍ بين «إسرائيل» وحليفتها.
بنظرةٍ «مستقلةٍ» للسياسة الإيرانية قد يبدو للبعض أن التيار المحافظ في إيران متخوفٌ من الاتفاق مع الأميركيين لاعتباراتٍ كثيرةٍ. بمعنى آخر قد تكون كلفة الحرب الشاملة للمحافظين هي بالكلفة ذاتها لفكرة الوصول لاتفاق مع الأميركيين، لأنها ستعني حكماً صعوداً للإصلاحيين الذين نادوا مراراً في السنوات السابقة بضرورة الانفتاح على المفاوضات، باعتبار أن مرحلة نجاد سابقاً شهدت أكبر ارتفاع لحدة المواجهة مع الأميركيين. لكن هذا الكلام ينسفه ببساطةٍ فرضية أن المواقف المتشددة السابقة هي من فرضت إيران دولةٍ لها وزنها. ومن ثم فإن ما قد يحصده الإصلاحيون الليبراليون اليوم ما هو إلا نتيجة لما زرعه المحافظون. بشكلٍ أعم نستطيع القول: إن هناك تكتيكاً تم اتباعه أساساً لضمان وصول الرئيس الإصلاحي على حساب «عدد من المرشحين المحافظين»، لأنه بدا واضحاً أن ساعة التسويات قد دُقت، فما بالنا أن كان هذا الإسفين الذي تحدث عنه داغان سينشطر ليصبح «أسافين» بين الولايات المتحدة وحلفائها. بناء عليه، هناك من بدأ يتنبه إلى أن فكرة الاتفاق الأميركي الإيراني الذي يتوافق عليه الإيرانيون باختلاف انتمائهم سيعني لمصيره الكثير حُكماً، وعليه هم يحاولون الآن اللعب بالوقت الضائع.
من هذا المنطلق قرروا تكثيف الاجتماعات بغية إنقاذ ما يمكن إنقاذه. لعلنا لا نبالغ أن قلنا إن «قمم» الرياض في هذين اليومين لم يكن ينقصها إلا وجود «بنيامين نتنياهو» و«مسعود البرزاني»، لتتضح الصورة أكثر:
هو ليس اجتماعاً لحلفاء الهدف، لكنّه في النهاية ليس اجتماعاً للمنكسرين أو المهزومين، إذ تقتضي العقلانية ألا تعيش نشوة الانتصار قبل أن يرفع العدو الراية ولو صورياً.
هو اجتماعٌ لمن لا يزال بين هاتين الصفتين، هم توابع الولايات المتحدة التي لم يبق لديها عصا ولا جزرة لتجذبهم عبرها، فكان قرارها باحتواء إيران كصديق (مهما حاولت الصحافة الإيرانية اللعب بالألفاظ حالياً، فعليهم أن يقتنعوا تماماً أن في السياسة لا عداوة دائمة).
هم ما زالوا مقتنعين أن بإمكانهم التشويش على قرار الأميركيين بطُرقٍ عدةٍ تساهم بلجم الطموحات الإيرانية وما يرافقها من تقدمٍ للجيش السوري في جميع الجبهات، عساهم ينقذون ما يمكن إنقاذه. وعليه تبقى الورقة الأخيرة هي الشمال السوري والغموض الذي يكتنفه انطلاقاً من نقطة «عين العرب» وما يترتب على انسحاب داعش «المدروس» من مناطق لمصلحة الانفصاليين الأكراد، وسط إصرار أصحاب الطموحات الانفصالية في سورية على اللعب على الوتر العرقي بما فيها استضافتهم لبؤرةٍ تركيةٍ اسمها قبر «سليمان شاه».
كفانا تجميلاً للحقائق، يوماً ما وقف «بيرنار ليفي» على حدود كردستان العراق، حمل منظاره وكأنَّه أراد أن ينظر إلى ما بعد نهر دجلة باتجاه سورية، هناك حيث يجثم الحلم، تماماً كما نظر يوماً «مناحيم بيغن» نحو طبرية والفرات حيث يجثم حلم آخر، كلا الحلمين هو شوكةٌ في خاصرة الوطن. ألم يقل «بن غوريون» عن «مناحيم بيغن» إنه «على استعداد لإبادة كل العرب لتحقيق حلم توحيد إسرائيل». يبدو أن هناك الآن من يريد أن يسير على نهجه لتوحيد شطري «إسرائيل الشمال»، لكن عساهم يتعظون ولينظروا ما حل بغيرهم وكيف بيع في سوق النخاسة الدولي؟ وليعتبروا فالعبرة في الخواتم لا برفع الأعلام الداعشية ولا الانفصالية.