هل يتبدل الوضع في الجولان المحتل؟.. بقلم: د. صياح عزام

هل يتبدل الوضع في الجولان المحتل؟.. بقلم: د. صياح عزام

تحليل وآراء

الخميس، ٢٦ فبراير ٢٠١٥

منذ اتفاقية فصل القوات في العام 1974 ساد الجولان هدوء لم يعكر صفوه أي حادث يُذكر؛ الأمر الذي أكسب سورية مصداقية لدى العالم أجمع واحتراماتها، واستمر هذا الهدوء في عهد السيد الرئيس بشار الأسد، حيث بقيت الجولان هادئة آمنة، في حين ظل الجنوب اللبناني ساحة مواجهة وتبادل رسائل بين سورية والكيان الصهيوني.
إضافة إلى ذلك، لم تتأثر جبهة الجولان بالأحداث السورية التي نشبت عام 2011 جراء أعمال وجرائم المجموعات الإرهابية المسلحة في جنوب سورية وفي محافظة القنيطرة تحديداً. ولكن مع تطور الأحداث في الجولان والتدخل الإسرائيلي المباشر وغير المباشر فيها، وفتح الحدود الأردنية السورية أمام تدفق الإرهابيين مع أسلحتهم إلى سورية، بدأ الوضع في الجولان بالاهتزاز ولاسيما مع دخول الجيش الإسرائيلي على الخط عن طريق القصف المدفعي والصاروخي لمواقع الجيش السوري دعماً للإرهابيين على الحدود السورية الإسرائيلية، إلى جانب نقل جرحاهم إلى المشافي الإسرائيلية للعلاج، ومن ثم القيام بغارات جوية على مخازن أسلحة في سورية.
في السابع عشر من شهر كانون الثاني الماضي 2015، أقدمت إسرائيل على تنفيذ غارة جوية على قافلة لحزب الله كانت تسير على بعد كيلو متر من الحدود مع الجولان أدت إلى استشهاد ستة عناصر من كوادره، إضافة إلى جنرال إيراني، هذا مع العلم بأنه يوجد عشرات الآلاف من الإرهابيين من جماعة جبهة النصرة الإرهابية يتمركزون في المنطقة الحدودية بين سورية وإسرائيل والمحاذية للجانب الإسرائيلي، كما أوضح سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير يوم الجمعة 30/1/2015 وذلك بكامل أسلحتهم المتنوعة لتنفيذ عملياتهم ضد الشعب السوري بالتنسيق الكامل مع إسرائيل وبتغطية جوية وبرية منها.
في بداية الأمر لم تتبن حكومة نتنياهو العملية رسمياً، بل سمحت بتسريبات خفيفة حولها، منها أنها لا تعلم بوجود جنرال إيراني ضم القافلة المستهدفة!؟
تعامل حزب الله مع العملية بهدوء وضبط أعصاب تاركاً لغيره الحديث عن رد مُزلزل، وأخذت رسائل الإعلام وأوساط المحللين السياسيين والعسكريين تروج التساؤلات حول إمكانية ومكان وزمان الرد من حزب الله على عملية الاغتيال الإسرائيلية في القنيطرة، وحول الرد الإسرائيلي على الرد وأخطار نشوب حرب واسعة النطاق تشي بها حالة التأهب والاستنفار الإسرائيلية العالية بأنها واقعة لا محالة.
إسرائيل حالياً لا تستطيع المغامرة في حرب مفتوحة من دون دعم الولايات المتحدة أو رضاها الضمني على الأقل، وسياسة أوباما باتت معروفة، خاصة في ضوء علاقته غير الودية مع نتنياهو، ومسارعة الأخير إلى إيفاد "أفيغدور ليبرمان" إلى موسكو بهدف طمأنة إيران والتأكيد على عدم علم الإسرائيليين بوجود الجنرال الإيراني في القافلة حسب زعمهم، وهذا تراجع عن التصعيد، كذلك فإن تعرض نتنياهو لعاصفة من الانتقادات الداخلية تتهمه بالمقامرة بحياة الإسرائيليين لتحقيق أهداف انتخابية شخصية يشي بغياب إجماع حوله لخوض الحرب.
وإضافة إلى دافع نتنياهو الانتخابي هذا، راهن أيضاً على استفزاز إيران لتقوم برد فعل يقوض مفاوضاتها النووية مع الغرب والتي تمر بأجواء إيجابية، كما أن نتنياهو وهذا الهدف الأهم والأرجح، أراد منع حزب الله من تغيير قواعد اللعبة على الحدود مع الجولان المحتل بتحويلها إلى جنوب لبنان آخر.
إيران بدورها، تصرفت بحكمة إزاء اغتيال الجنرال الإيراني، ثم إنه لا مصلحة لها في تعكير صفو محادثاتها مع الغرب والتي يمكن أن تنتهي لما فيه المصلحة الإيرانية العليا.
كما أن حزب الله يسعى إلى تنفيس الاحتقان المذهبي في لبنان والذي تُذكي ناره إسرائيل وحلفاؤها اللبنانيون والإقليميون، وذلك من خلال حواره مع تيار المستقبل، والتمهيد لانتخاب رئيس للجمهورية وإقناع خصومه بأن تدخله في سورية هو لمصلحة لبنان، إذ يحميه من التكفيريين الذين يقومون ببعض العمليات الإرهابية في مناطق لبنانية، ويهددونه من الحدود معها، وأن انتشاره قرب الجولان هو لمنع محاولات المجموعات الإرهابية المسلحة من إقامة حزام أمني كما سبق وفعلت إسرائيل في الجنوب اللبناني بالتعاون مع سعد حداد ثم مع أنطوان لحد.       إذاً،إسرائيل توهمت من خلال عدوانها على قافلة حزب الله بأنها تستطيع تغيير الأوضاع القائمة في الجولان منذ عام 1974 لمصلحتها، إلا أنها فشلت في ذلك بعد الرد القوي من حزب الله على جرميتها التي ارتكبتها بحق قافلة كوادره.
هذا وقبل الرد من حزب الله تمحورت التحليلات الجارية بأن الرد المنتظر لن يكون في الجنوب اللبناني حيث القرار 1701، والخشية من مواجهة شبيهة بمواجهة 2006، بل سيكون في الخارج، أما في الجولان، أو في البحر (ضد منشآت نفطية إسرائيلية) وفي ضوء هذه المعطيات والظروف قد يضطر حزب الله – حسب آراء إسرائيل وأنصارها- إلى ابتلاع ضربة كوادره.
إلا أن رد حزب الله المدروس شكل مفاجأة لإسرائيل وحلفائها ولكل المحللين، إذ إنه حدثت بسرعة أولاً، وفي مكان غير متوقع حيث التأهب الإسرائيلي في ذروته ثانياً، وبالتالي فإن نجاح هذا الرد يعيد قواعد الاشتباك إلى ما كانت عليه لأنه حصل في منطقة لبنانية محتلة خارج الخط الأزرق ونطاق القرار 1701.
باختصار: كان رد حزب الله نموذجياً من مختلف جوانبه بما في ذلك الدقة والمهنية العالية في تنفيذه، وبالتالي فإن قواعد اللعبة في الجولان قد تغيرت، بمعنى أن الجولان المحتل وجنوب لبنان باتا جبهة مقاومة واحدة.