الرابح والخاسر في منطقة اليورو بعد اليونان.. بقلم: إيفلين المصطفى

الرابح والخاسر في منطقة اليورو بعد اليونان.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ١٥ فبراير ٢٠١٥

Evlism86@gmail.com
مما لا ريب فيه أن الاقتصاد العالمي بدأ يعيش مرحلة جديدة مختلفة عن مراحله السابقة ومتوافقة إلى حد ما بتأثرها بالتغيرات السياسية العالمية، ولعل الصراع القائم بين الرأسمالية والاشتراكية مازال قائماً حتى لو بدا أنه خفي في بعض الصراعات التي تدور رحاها في العالم.
واليوم نجد أن الاقتصاد الأوروبي بالرغم من الأساسيات التي وضعها حين تشكيل ما يسمى بالاقتصاد الموحد القائم على العملة الموحدة "اليورو" إلا أنه لم يكن في حساباته أن تعاني دول منطقة اليورو من مشكلات اقتصادية غير قادر على إنقاذها أو معالجتها بأقل الخسائر الممكنة.
وكما نلاحظ عبر متابعتنا للقضايا الاقتصادية نجد بأن أزمة الديون السيادية في اليونان حازت على سجال لفظي وسياسي قبل الانتخابات وبعدها والذي جاءت نتيجته لصالح اليساريين الراديكاليين، والذي دفع بالألمان للقول بأن منطقة اليورو يمكن أن تنجو بخروج اليونان منها، كلام أكده أبرز الخبراء الاقتصاديين آلان غرينيسبان والذي عبّر عن تنبؤاته بالقول بأن خروج اليونان من منطقة اليورو مسألة وقت لا أكثر.
لكن السؤال الأهم هل سيكون خروج اليونان منقذاً لمنطقة اليورو؟ باعتقادي أن هذا الأمر يحمل خطورة في تبعاته ولكن ليس لذات الأسباب التي عادة ما يطرحها البعض بأن خروج اليونان ربما يؤدي إلى رفع أسعار الفائدة كما هو الحال في البرتغال وإيرلندا، وربما يكون البنك المركزي الأوروبي قادراً على التعامل مع مثل هذه الحالات المنتشرة إذا تم ذلك فعلاً، لكن ذلك لن يكون خطيراً على منطقة اليورو في حال أجبر شخص أيضاً للخروج بعد مغادرة اليونان.
الخطر سيكون إذا غادرت اليونان وبدأت بالعمل من أجل إصلاح اقتصادها والبدء بمرحلة التعافي ربما هذا الأمر سيدفع بدول أخرى للتفكير بالمغادرة أيضاً.
إن الموافقة على خروج اليونان من منطقة اليورو سيكون إشارة تعكس وضع المستشارة الألمانية ميركل خلال أزمة الديون للعملة الاتحادية التي اندلعت في اليونان عام 2009، خاصة أن البعض يقارن مسألة اليونان بما حدث في كل من البرتغال وإيرلندا حيث يقلل البعض من خطر انتقال العدوى وفق ما أشارت إليه مجلة شبيغل الألمانية عن مسؤولين في الحكومة مشيرين إلى تعافي كل من إيرلندا والبرتغال كانوا قد طلبوا مساعدات إنقاذية.
من هنا فإن الاستعداد الكلي للقبول بخروج البرتغال وإيرلندا أصبح يتلاشى فإيرلندا لن تغادر المنطقة فقد تحولت بشكل فعلي إلى ركن لا يمكن الاستغناء عنه، ويبدو من غير المرجح بأن البرتغال ستخرج أيضاً، إلى جانب ذلك هناك إسبانيا التي يتم عقابها وقامت بتكييف اقتصادها ولم تعد بحاجة لمغادرة اليورو تجنباً للمزيد من الألم.
الأسوأ من ذلك الآن هو خروج اليونان ما يعني أن جميع آمال البنك المركزي الأوروبي بما يتعلق بالتسهيل الكمي سيتم إيقافها لأجل غير مسمى حتى إن التشريعات القانونية لم توجد فقط لتمويل العجز السيادي بل أيضاً لتسييل السندات لمنع منطقة اليورو من الانهيار ولها ما يبررها ما يعني بأن السندات لا قيمة لها والتي يزيد سعرها عن 100% من التسهيل الكمي في أوروبا وسوف تقل قيمتها بين ليلة وضحاها وستؤدي إلى انهيار في الأسواق من خلال المحتويات ومن ثم سيحصل إفلاس في القطاع المصرفي أولاً بدءاً من الخارج إلى عمق الاقتصاد الأوروبي وفي نهاية المطاف ستعاني أوروبا من كساد جامح.
وبالتالي فإنه بإمكان البنك المركزي الأوروبي عند الضرورة شراء ما يكفي من السندات السيادية للتأكد بأن أسعار الفائدة لن ترتفع إلى مستوى غير مقبول وفي حال خرجت اليونان فإن الآخرين غير مجبرين لاتباعها.
إذاً ما الذي يمكن أن يحدث إذا اتبعت اليونان ما يتوجب عليها فعله اقتصادياً كحل معياري لبلد يعاني من هذه المشكلات؟ إن مغادرة اليونان لمنطقة اليورو سيؤدي لفشل القطاع المصرفي ومن ثم بالتأكيد فإن السنة الأولى ستكون جيدة لكن الحل المثالي سيجعلنا نتوقع بأن نشهد استدامة نمو في الاقتصاد اليوناني ولن يكون مفاجئاً أن نرى بعد سنوات نمواً بنسبة 5-10% في الناتج المحلي الإجمالي اليوناني.
من ثم ما الذي سيحدث؟ ماذا لو حدث الأمر ذاته في إيطاليا التي يبدو أنها بدأت تعاني من دوامة الديون هل سيكون الحل حينها بالقبول بالانكماش الاقتصادي الداخلي؟ أم إنها ستبدأ بإعادة إقلاع مطابعها لتبدأ بطباعة اللير وترك اليورو؟ ما الذي سيحدث لفرنسا في حال اقتربت من مثل هكذا مشكلات؟ وهل بلجيكا التي هي بعيدة عن هذه المشكلات ستعاني من انعكاسات تلك الأزمات؟
علينا أن لا ننسى بأن وصفة البنك الدولي القياسية لتخفيض القيمة بدلاً من الدخول في الانكماش الاقتصادي موجودة لسبب بأن تأثيرها سيكون أخف ألماً على عامة الناس.
إن الخطر بالنسبة لمنطقة اليورو بأن خروج اليونان يمكن أن يفجر منطقة اليورو بالإضافة فإن مغادرة اليونان ستؤدي حتماً للعمل من أجل اليونان ما يعني أن البلدان ستتخذها مثلاً تحذو حذوها.
بعد كل ذلك فإن الاقتصاد المعياري بأنه يتوجب على صناع السياسة الاقتصادية التفكير ملياً بجميع هذه المشكلات وفعلياً يمكن القول بأن تخفيض القيمة هو الحل هنا وبالتالي مهما كانت الرغبات السياسية لهؤلاء المدافعين عن الاتحاد الأوروبي فإن الأيام القادمة ستكون هي كلمة الفصل سواء بخروج اليونان أم ببقائها مع العلم أن بريطانيا بدأت بتحضير خطة طوارئ في حال خرجت اليونان من منطقة اليورو.