أوباما يستدرج الأردن إلى الفخ السوري..

أوباما يستدرج الأردن إلى الفخ السوري..

تحليل وآراء

الخميس، ١٢ فبراير ٢٠١٥

لا شك أن الأردن ليس بعيداً عما يحدث حوله في المنطقة، إذ تلقي الأحداث الدائرة في سورية بإرتدادات عكسية موجهة للأردن على كافة الصعد, فمنذ بداية إندلاع التدخل الخارجي وتدفق الجهاديين الى سورية، والأردن يعاني من ويلات وتبعات حروب الوكالة عن أميركا التي يشنها المقاتلين هناك بأموال عربية لزعزعة أمن واستقرار سورية، وبذلك وجد الأردن نفسه مكلف بدفع فاتورة التهور للممولين الذين إعتبروا بأن تغيير النظام الحاكم في سورية لا يتجاوز عدة أيام، ناهيك، عن مراهنتهم الخاسرة على الغرب حين تفاجأ المجتمع الدولي وما زال بالأحلاف الإستراتيجية المدروسة بين الدولة السورية وروسيا كقوة عظمى سياسياً وعسكرياً والصين وإيران وحزب الله التي أرغمت الغرب بالتراجع عن التدخل العسكري لتغيير نظام الحكم رغماً عنهم. اليوم وبعد فشل تركيا في الحصول على الغطاء الكافي لقيام جيشها بعمليات برية داخل الدولة السورية وإزاء عجز أمريكا عن التورط في عمليات برية، بدأت الإنعكاسات السلبية لهزائم داعش على عمل مجموعاتها، والتي ترافقت مع إرتفاع حدة القتال بين المجموعات المسلحة، وهو أمر لن يكون منفصلاً عن برامج خاصة لإستعادة الجيش السوري بمعاونة حلفائه، السيطرة على مناطق كثيرة في شمال سورية وشرقها، وبناءاً على ذلك لجأ التحالف الأميركي ـــ الإسرائيلي الى طلب الخدمات من حلفاؤه، ووجد هؤلاء أنه بمقدور الجيش الأردني المبادرة الى قيادة عمليات برية، بعد حشد آلاف العناصر من أبناء العشائر العربية تحت قيادته، ليتولوا هم الحلول محل داعش في مناطق غرب العراق أولاً، ثم الذهاب نحو سورية إذا نجحت التجربة، وفي عقل هؤلاء أن دخول الأردن من شأنه قطع الطريق على المحور الآخر، ولكن، مع تطورات الجنوب في سورية، والإنتصارات في العراق، وتوازن أكثر رعباً مع إسرائيل، بات من الواجب على الوطنيين في الأردن تحذير أبناءهم من الذهاب الى التهلكة. بعد أن أقدمت أمريكا على تفتيت العراق وإحتلاله، والعمل بشكل جدي على إنجاح ما يعرف "بالفوضى الخلاقة" في سورية التي أديرت على أسس دينية وعرقية، قويت شوكة القوى التكفيرية ونجحت في تحويل المنطقة إلى كتلة من النار يزداد توهجها يوماً بعد يوم، لذلك فإن قرع طبول الحرب والضجيج الذي يتبعها وتجييش الشعوب ومن ضمنهم الأردن، على الحرب البرية ضد تنظيم داعش في سورية، لا تصب في الأردنيين لإعتبارات عدة، أهمها الإدراك بأن هذا التدخل له ثمنه الأمني والعسكري، وليس مناورة تنتهي سريعاً لأن الإمكانات العسكرية للأردن قد لا تمكنه من الإستمرار طويلاً في هذه الحرب، لذلك فإن دخول الأردن هذه الحرب يتطلب وقتاً طويلاً لتحقيق إنجازات ملموسة، كون أن المملكة ونتيجة تركيز جهودها العسكرية في سورية، قد تتعرض إلى خروقات أمنية حقيقية على حدودها الشرقية التي سيطرقها داعش بقوة رداً على العمليات الأردنية ضده في سورية، في إطار ذلك إن إنشغال الأردن في حرب خارج حدوده، يتضمن توجيه الكثير من جهوده الأمنية والاستخبارية لدعم موقفه في هذه الحرب، مما قد يؤدي إلى تراخي وتهاون في السيطرة الإستخبارية والقبضة الأمنية على الجبهة الداخلية، التي تعج بآلاف السلفيين المتطرفين، والذين لن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء ما يتعرض له التنظيم المتطرف، بل ربما إنهم يتحينون هذه الفرصة، بمعنى إن تخاذ عمان قرار الخيار العسكري البري، منفردة، سيكون بمثابة القفز في المجهول، وخطوة خطيرة ثمنها سيكون باهظاً داخلياً وخارجياً، وبالمقابل يواجه إحتمال الإنخراط الأردني بمعارك ضد داعش على الأرض برفض سوري، حيث إتهم وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الأردن، بأنه جزء من عملية "إرسال الإرهابيين عبر حدوده إلى سورية بعد تدريبهم في معسكرات داخل أراضيه بإشراف الولايات المتحدة"، مضيفاً أن "الأردن يحارب داعش لأسبابه ولا يحارب جبهة النصرة على حدوده". لكن يظل بؤرة التحرك الامريكي هى توريط الحلفاء والأصدقاء فى مواجهة صُممت لمصالح أمريكية وليست مصالح شعوب المنطقة، لذلك فإن مبدأ توريط الغير ليس جديداً فى السياسة الأمريكية تجاه قضايا العالم المختلفة، وأرى أن أمريكا فى ظل أوباما قد نجحت فى تصدير الإرهاب إلى منطقة الشرق الأوسط الموسع وتوريط مجتمعاته ودوله فى مواجهات سوف تمتد لسنوات طويلة مقبلة، ونجحت فى جعل الحرب ضد الإرهاب محلية الطابع، ونجحت فى أن تدفع بعض بلدان المنطقة إلى توسل التدخل الأمريكى، واليوم بحجة محاربة داعش سيتم فتح الأراضي الأردنية لكل مخططات التفتيت، وبذلك أرى إن المخطط يشمل الأردن وليس الملف السوري فحسب، وإن تقسيم سورية يعني إن استقرار المنطقة كلها معرض للخطر، وإنفجار حرب طائفية هناك يعني إن سواراً من النار بات يحيط بالأردن، فالمخاوف الأردنية ترتكز من إحتمال ولادة جيب متطرف بالقرب من الحدود الأردنية، وهذا يستند الى حقيقة مفادها إن آلافاً من الجهاديين الأردنيين يقاتلون اليوم في صفوف هذه الجماعات، وهؤلاء لهم إمتداد في داخل المدن والمخيمات في الأردن، وهم سيعودون يوماً الى المملكة حاملين معهم خبرات قتالية وأفكاراً تكفيرية، وقد يغذي توجهات إنفصالية خطرة في المنطقة، لذلك ليس للأردن مصلحة أمنية أو سياسية أو إقتصادية بإضمحلال الدولة السورية وفرض أجندات التقسيم التي خططتها واشنطن وحلفاؤها في المنطقة, ويبقى التوصل لحل سياسي للمسألة السورية أفضل الحلول وأحكمها وأنسبها بالنسبة للأردن الملاصق لسورية بإعتبار إن إستقرار سورية مسألة أمن قومي أردنية بإمتياز، لذلك يجب على الأردن أن تخرج من هذه اللعبة المدمرة لأنها ستكون أول ضحايا الجماعات الجهادية التي من شأنها أن تمتد إلى الأردن والمنطقة بأكملها، وهو أمر ستكون تداعياته الخطيرة على هؤلاء الذين لا يدركون عمق الأزمة التي يعيشونها والتي ستجبرهم في النهاية على دفع ثمن تهورهم وأحقادهم اتجاه سورية العظيمة بشعبها وجيشها، وبالتالي فإن الاردن أمام مأزق خطير ومن صنع أيديه، لذلك سيكون من الحكمة إعادة فتح قناة اتصال مع النظام السوري لمكافحة خطر التنظيم الداعشي. وأخيراً أختم مقالتي بالقول، إن سورية القوية بشعبها وجيشها وحلفائها قادرة على إفشال الخطة الجديدة كما أفشلت الخطط السابقة، أما الحل المنطقي الذي يحفظ الأردن ويجعله ينتقم لطياره من داعش، فيكمن في الإقلاع عن أي دور من الأدوار التي اضطلع فيها حتى الآن دعما للمسلحين ضد سورية، وأن يسارع للتنسيق مع سورية في الحرب التي تخوضها ضد الإرهاب وأن يجعل مصلحة سورية ووحدتها وإستقرارها هدفا له لحماية البلاد من العواصف التي تحيق بها، بإختصار شديد إن ما حدث للطيار الكساسبة قد يكون من باب وضع قطعة الجبن في المصيدة حتى يدخل الأردن وحلفاؤه الإقليميون في حرب لا مخرج منها، مع عدو لا تتوافر معلومات حقيقية عن تنظيمه وتدريبه وأسلحته، كما أن الهدف من إطلاق الشائعات حول مشاركة عسكرية أردنية في سورية هو توريط الأردن في الحرب على داعش والإرهاب.