الزمن عربياً كما يراه العلامة اليافي!.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

الزمن عربياً كما يراه العلامة اليافي!.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الاثنين، ٢ فبراير ٢٠١٥

قال أحد الفلاسفة: "أنا أعرف معنى الزمن حين لا أُسأل عنه، فإذا سُئلت عن تعريف له تحيّرت ولم أستطع الإجابة"، والعلّامة العربي السوري الراحل عبد الكريم اليافي- أستاذ الأجيال- يتفق مع هذا القول، ويضيف إليه قوله: إننا نجد أموراً كثيرة معروفة، ولكن إذا بحثنا عن معانيها اضطربت الأقوال وتغايرت، والزمن منها، ثم ضرب مثلاً وصَفه بأنه بسيط جداً، بل هو شديد الوضوح وهو (النور)، وقال: كلنا يعرف ما هو النور، ولكن هل يستطيع أحد أن يعرفنا النور بالضبط! لقد اطلعنا على البحوث الفيزيائية الحديثة فتبين لنا أنّ التفكير في النور وفي جزئياته "كل يوم هو في شأن".. أي في تغير وتبدل؛ والأمر ذاته نجده في "فكرة السبب أو العلة" من حيث الاختلافات الكثيرة التي طرأت في تاريخ الفلسفة على تعريف السبب أو العلة. فليس من الغرابة إذن أن يختلف الفلاسفة في قضية الزمن، وأن نجد في التراث العربي مفاهيم متعددة عنه.
ثم رأى المرحوم اليافي أنّ الفلسفة اليونانية أثرت بعض الشيء في الفكر العربي؛ أرسطو عرّف الزمن بأنه "مقدار حركة الفلك الأعظم"، معنى ذلك أنّ الزمن هو "كمّ"، وهو كمّ متصل ليس منفصلاً؛ أي إنّه ليس مؤلفاً من (آنات) ولذلك كانت حركة الفلك مستديرة، هذه الحركة عند أرسطو طبيعية فطرية.
انتبه الفكر العربي إلى أنّ الحركة المستديرة لا تكون طبيعية، وقد كان (أبو الريحان البيروني) أول من رد على أرسطو وعلى ابن سينا بأنّه لابد من تأثير قوة تمسك الحركة الدائرية. وعلماء العصر يعرفون الآن أنّ حركة الكواكب قائمة على التجاذب، كما أنّ علم الميكانيك يطرح اليوم مصطلحاً هو "الحركة الدائرية".
أبو البركات البغدادي أتى مؤيداً لكلام البيروني وناقضاً لكلام أرسطو وابن سينا في هذه المسألة، ثم إنّ الزمان عند البيروني والبغدادي يتقدم بعضه على بعض، فليس مُجتمِعاً في وقت معين بل هو متغير.
آخرون من المفكرين العرب، وبخاصة الأشاعرة، أرادوا أن يُبسّطوا الأمر فعرّفوا الزمن بأنّه متجدد معلوم عُلق عليه متجدد موهوم لإزالة إيهامه".
وانتقل هذا التفكير من الأشاعرة إلى المتصوفة، حيث نجد في رسالة (القشيري) نفس التعبير تقريباً، ولكن عوضاً عن أن يقال الزمن يقال "الوقت".
أما قضية الزمن في النحو العربي فعند الدكتور اليافي أنّ اللغة العربية كاملة وأفضل في التعبير من اللغات الأجنبية عن فكرة الزمان، ولكن الأفعال وحدها ليس تقوم بالإبانة عن هذه الفكرة، بل تأتي الظروف والحروف أيضاً، فحرف الشرط "إنْ" التي تجزم فعلين، موضوعة للزمان المستقبل لا للحاضر ولا للماضي، لكن مع هذه الفكرة التي تنصب على الزمان المستقبل يوجد شيء من الشك، أما إذا جَزمنا فينبغي أن نستعمل (إذا)، ولما كانت (إذا) للجزم وللتحقيق في المستقبل أمكن استعمال الماضي بدلاً من المضارع: "إذ جاء نصر الله والفتح"، ثم: "وإذا جاء أجلهم لا يَستقدمون ساعة ولا يستأخرون".
مثل هذه الأمور لا يعرفها المستشرقون، وقد لا يعرفها كثير من النحويين؛ يعرفها حصراً أئمة النحو أمثال الزمخشري الذي قال:
وإذا شككت رأيتموني جازماً
وإذا جزمتُ فإنني لم أجزم
أي إذا شككتُ بوقوع الأمر أستعمل "إنْ" التي تجزم الفعل، أما إذا جَزمتُ بوقوعه فإنني أستعمل "إذا" التي لا تجزم.
اللغة العربية- إذن- لا تعبّر عن الزمن بالأفعال وحدها، والزمن في هذه اللغة هو الوقت قلّ أو كثُر، وبما أنّ المستشرقين وكثيراً من الأدباء لم يتقنوا العربية تمام الإتقان يقعون في سوء تفسيرها.
هذا بعض ما كان عليه أستاذنا اليافي، وهذا يعني أين كان للوطن.. لنا جميعاً ولهذا سنظل نذكره بإجلال كواحد من نجباء الوطن، وستظل ذكراه – يرحمه الله- ماثلة في شتى المعارف.