فراغ الوعاء الثقافي إلى متى؟.. بقلم: ميساء نعامة

فراغ الوعاء الثقافي إلى متى؟.. بقلم: ميساء نعامة

تحليل وآراء

السبت، ٣١ يناير ٢٠١٥

أن يصدم المرء بالطبقة غير المتعلمة وغير المثقفة فهو أمر طبيعي جداً، لكن أن تأتي الصدمة من طبقة تدّعي الثقافة وتدّعي امتلاك المعارف الفكرية المتنوعة ما بين الدين والسياسية والفن والأدب، وهذه أسمى مراتب الارتقاء الإنساني، فالمصيبة تأتي مضاعفة جداً، وويل لأمة لا يعي مثقفوها حقائق فكرية مثبتة بشواهد وحقائق مدونة وموجودة في كتب ووثائق الغرب.
أكثر ما يدعو للصدمة أن يرى المثقف السوري المشهد السياسي من زاوية ما يتاح له من منافع يمكن أن تقدمها السلطة السياسية لكي يتضامن مع الوطن، ولا ينظر إلى المشهد بكليته الوجودية من وجهة نظر وطنية بعيداً عن المصالح الشخصية الضيقة.
الإرهاب اليوم أصبح القضية الشاغلة للعالم وما يحصل في سورية من إرهاب شارف على دخوله العام الخامس، مازال البعض ينظر إلى الإرهاب من بابه الديني الذي يسيطر على المساحة الأكبر من آلية تفكيرهم وتعاطيهم مع الحرب التي تشن على سورية من بابها الضيق: النص الديني والتفسير، بينما يشتغل الغرب في مراكز أبحاثه على تطويع الأديان لخدمة مصالحها في منطقة الشرق الأوسط بما يتيح لها هدم الدول العربية من الداخل وخلق حالة من الدمار الخلّاق المبهج للصهيونية العالمية والمأساوي بالنسبة للشعوب العربية.
بينما ينظر معظم مثقفينا إلى مشهد الدمار الذي يهدد وجودنا العربي من زاوية رؤية حولاء تمزج بين السلطة الدينية والسلطة السياسية وتضرب هذه بتلك.
ينتج "معهد "أمريكان إنتر برايز" للبحوث السياسية في واشنطن، وغيره من المعاهد التي تدار وفق العقيدة الصهيونية، نظريات قابلة للتطبيق من أجل إحكام السيطرة على جغرافيتنا العربية بما فيها من ثروات مادية وإنسانية.
وقد تكون نظرية "التدمير الخلّاق" من أخطر النظريات التي أنتجها معهد "أمريكان إنتر برايز، لهدم المجتمعات العربية من الداخل، وإعادة تشكيلها بالصورة التي يرونها تخدم مصالحهم.
المنطقي في المجتمعات المتحضرة أن تسبق الطبقة المثقفة الطبقة السياسية في كشف الحقائق ومتابعة خيوطها وحماية الدول من الانهيار، لكن للأسف الشديد ما لاحظته في ندوة كاتب وموقف التي سلّطت الضوء على كتاب الدكتور نبيل طعمة "رؤى في الخطاب العربي" كسر الصورة المثالية للمثقف السوري لجهة "النخبة المثقفة" التي حضرت في المركز الثقافي بأبي رمانة.
اللافت أنّ الكاتب طعمة دخل عتمة المحرمات الثلاث، الدين والسلطة والجنس، وسلّط الضوء على جوانب في غاية التعقيد وطرح إشكاليات يؤدي الغوص في منحنيات عتمها إلى إشعال فتيل الحروب.
من خلال قراءاتي أنّ الثورة الصناعية في أوروبا قامت بعد أن أصبح المجهول في الثالوث المحرم معلوماً، لكن ما الذي يحصل في عالمنا العربي؟ أعتقد أنّ تداعيات الأسئلة التي طرحها الأستاذ عبد الرحمن الحلبي وأجوبة الدكتور طعمة، على الجمهور الحاضر يمثل إلى حدٍّ ما صورة مصغرة عن المثقفين في سورية وما ساد من هرج ومرج وصل حد التلاسن بين الحضور ورئيس الجلسة يدل على أننا في سورية مازلنا في مرحلة الحضانة الأولى لتعلم فن آداب الحوار.
السؤال المطروح: إلى متى سنتباكى على الماضي وعلى استهلاك الثقافة والعلم من الغرب؟
يحق لنا كإعلاميين أن نتباكى على عدم وجود منتج ثقافي، لكن هل يحق لأستاذ جامعة أن يتباكى والمفروض أن يكون من المنتجين للنظريات الثقافية والسياسية ؟
من حسن حظ السوريين والعرب أنّ القيادة السورية تتمتع بنظرة شاملة وعميقة لما يحصل في العالم من حولنا وأية نتائج مدمرة كنا سنصل إليها لو أنّ القيادة السورية لم تكن تتابع جميع الحقائق وتتابع الوثائق وتعرف العدو الحقيقي للوجود العربي.