(عقلنة الدعم).. بقلم : غسان يوسف

(عقلنة الدعم).. بقلم : غسان يوسف

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٦ يناير ٢٠١٥

آخر ما تمخضت عنه عبقريات بعض الاقتصاديين والمسؤولين هو مصطلح (عقلنة الدعم) وكأن تأمين ربطة الخبز بسعر مناسب للفقراء الذين لا يملكون سوى قوت يومهم أو يبحثون عن عمل أصبح جنوناً! أو أن يحصل الفقير على (كم ليتر مازوت) بسعر مناسب يشعر من خلاله أولاده بالدفء أصبح جنوناً أيضاً! أو أن يشتري جرة غاز يسخن من خلالها إبريق شاي لأولاده أصبح جنوناً.. جنوناً!!
والأنكى من ذلك أنّ جهابذة المسؤولية والتخطيط الاقتصادي يقولون إنّ الزيادة جاءت تلبية لرغبة المواطنين! لا أعرف عن أي مواطن يتحدثون! كلنا مواطنون بالتأكيد لكن المواطن الذي فوضهم.. مواطن يملك الملايين لم يقف يوماً في طابور على فرن، ولم يحمل (بيدون ويقف أمام كازية، ولم ينتظر ساعات على موقف باص، ولم يحمل جرة غاز ويركض من مكان لمكان ليبدلها زيادة عن سعرها بألف ليرة.
نعم هناك رغبات لفئة من المواطنين بأن تسحق فئة كاملة من المواطنين الكادحين العاملين من طلوع الفجر حتى غياب الشمس!
أين هي (العقلنة) يا أصحاب العقول الاقتصادية؟ وأين هي الحكمة من رفع الأسعار فهل من المعقول أن يشتري الفقير العامل في الحقل والمصنع الخبز بنفس السعر الذي يشتري به الصناعي مالك الملايين؟! كيف تفتقت عقولكم عن توحيد سعر ليتر المازوت وبالتالي يتساوى الغني مع الفقير ولكن للأسف فالمساواة هي فقط بالأسعار! ألم يخطر ببالكم أنّ الغني يركب الهمر والمرسيدس والبي إم ويعيش في أحسن الفلل والشقق، والفقير يركب الحمار والتريزينة والبيك آب ويعيش في بيوت مستأجرة لا تدخلها الشمس أو في خيم لمن اضطروا لترك بيوتهم وهي كل ما جنوه طوال حياتهم!
لا أعرف كيف يُطلب من الفقير أن يعلم أولاده أو يزرع حقله أو يكون أميناً في وظيفته وهو ينام على برد ويصحو على جوع وصداع من التفكير في الآتي؟!
عقلنة الدعم ستجعل الفقير أشد فقراً، والغني أشد غنى والحرامي أشد احترفاً والمرتشي أكثر رشوة، والسارق والاحتكاري من كبار اقتصاديي البلد!
العقلنة اليوم هي جنون ضد المواطن الفقير الذي بقي متمسكاً بأرضه قابضاً على معوله متمسكاً بمقولة (تموت الحرة ولا تأكل من ثدييها)!