أنا شارلي.. وحال الإعلام العربي!!.. بقلم: د.بسام الخالد

أنا شارلي.. وحال الإعلام العربي!!.. بقلم: د.بسام الخالد

تحليل وآراء

الأحد، ٢٥ يناير ٢٠١٥


Bassamk3@gmail.com
بعد حادثة الاعتداء الإرهابي على صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة واصل  الإعلام مواكبته لهذا الحدث، سواء الإعلام التقليدي أو الإلكتروني، حيث طغى موضوع الاعتداء على غيره من المواضيع الآنية، وقد نُظمت حملة بعنوان: "أنا شارلي"  استقطبت الملايين على مواقع التواصل الاجتماعي وحملة أخرى تحت شعار: "أنا لست شارلي" تباينت فيهما آراء المستخدمين إلى درجة كبيرة وساهمتا في إثارة جدل ونقاشات حادة.
وقد تباينت المواقف في وسائل الإعلام التقليدية أيضاً، فمعظم المنابر الإعلامية الدولية تعاملت مع الحدث باهتمام كبير وتناولت الموضوع انطلاقاً من المواقف المطلقة لحرية الرأي، بينما ركزت أخرى على ما وصفته بـ"الاستفزازات" التي مارستها الصحيفة ومواقفها التي اعتبرها البعض مسيئة للمقدسات الإسلامية.
حادثة الاعتداء على الصحيفة، وإن كانت نفذت بهذا الدم البارد وأنا أدينها، إلا أنني أعتبرها جريمة إعلامية مفبركة بكل المقاييس لتحقيق أغراض أمنية وسياسية وعنصرية ضد العرب والمسلمين في الغرب، اشتغلت عليها الأيادي الصهيونية وفق مخطط مرسوم منذ زمن لتكون 11 أيلول آخر بنسخته الفرنسية، وقد استطاع الإعلام الغربي أن يحقق نصراً على الإعلام العربي في هذه القضية، وهو ليس الأول بطبيعة الحال، وهذا عائد لتكبيل الإعلام العربي بالقيود وافتقاره إلى الفعالية المهنية التي أبعدته عن اللحاق بركب الإعلام العالمي وفقدانه لمكانة تليق به في الخريطة الإعلامية العالمية، ذلك أنّ العرب يحتاجون إلى إعلام فعال وحر وديمقراطي ومحترف وملتزم، وإلى تحديد إستراتيجية إعلامية عربية واضحة المعالم، وهو أمر لم يتحقق حتى اليوم بفعل بطء الآليات الجديدة التي تتماشى مع ظروف العصر لتُخرج هذا الإعلام من الممارسات الروتينية، التي أفرزت التهميش والتسطيح والتبسيط، إلى مجالات واسعة يستطيع من خلالها الإعلام العربي تحديد مكانة مرموقة له سواء على الصعيد المحلي أم الدولي.
الكلام عن إستراتيجية إعلامية عربية يقودنا للتساؤل عن إستراتيجية إعلامية على صعيد كل قطر عربي، وهنا نرى أنّ غالبية الدول العربية لم تفلح في استعمال الآلة الإعلامية لمصلحة شعوبها، بل استخدمتها للمصالح الضيقة للسلطة، مع أنّ معظم الدول العربية نجحت في استعمال النظام الإعلامي لتمرير خطاب السلطة لكنها فشلت في إرساء قواعد إعلام ديمقراطي شفاف موضوعي، صاحب رسالة هادفة، يعمل من أجل دمج الجماهير في عملية المشاركة السياسية، وهذا يعود إلى إشكالية علاقة السلطة بوسائل الإعلام في الوطن العربي والتي مازالت بحاجة إلى إعادة النظر لتصبح المؤسسة الإعلامية في الوطن العربي مؤسسة فاعلة تستطيع أن تُغير وتساهم في عملية صناعة القرار.
وببساطة نقول: إنّ الإعلام العربي مازال يعاني من قوانين وعقوبات ونصوص تشريعية تُستعمل ضده بكل سهولة، وفي ظل مثل هذه الفضاءات التشريعية يتجنب الإعلامي العربي الموضوعات الحساسة والمهمة والشائكة ويتحول من صحفي فعّال إلى صحفي سلبي يقرأ التاريخ بعيون القوى الفاعلة في المجتمع وليس بعيون الحقيقة والواقع، وبذلك فإنّه لا يشارك في صناعة التاريخ الذي ينقل أحداثه، بل يسلط السيف على نفسه ويمارس ما يسمى بالرقابة الذاتية وبذلك يقدم خطاباً إعلامياً خالياً من المحتوى ويفقد ثقة الشارع، وإذا انعدمت المصداقية أصبح الإعلام بدون تأثير وبدون فعالية وبذلك يصبح فارغاً من محتواه.
مع بداية مرحلة التسعينيات من القرن الماضي  استطاعت معظم الدول العربية أن تقتحم البث التلفزيوني الفضائي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل استطاعت هذه الفضائيات أن تنتج وتقدم الرسالة الإعلامية اللازمة التي تعبر عن الهوية والثقافة والحضارة العربية والإسلامية وهل استطاعت الفضائيات العربية أن تقدم البديل وتواجه التشويه والتضليل الإعلامي والصور النمطية السيئة عن العرب والمسلمين؟!
لقد بتنا نُجلد إعلامياً كل ساعة بفعل الآلة الإعلامية الغربية الفتاكة، وما الهجوم على حضارتنا وإرثنا الثقافي ومعتقداتنا إلا مقدمة لما يمارسه الإعلام اليوم من تقطيع لأوصال هذه الأمة وبث التفرقة والشقاق بين دولها وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية بين شعوبها، وأكبر مثال بدعة "الربيع العربي" المزعومة التي صنعتها مخابر الإعلام الغربية واستنسخها بعض الإعلام العربي ببغاوياً كما استنسخ "ستار أكاديمي" و"أراب آيدول" متناسياً دوره في صناعة إعلامية وثقافية يعبر من خلالها عن هويته وحضارته وثقافته، صناعة إعلامية تواجه التضليل والتشويه وتعكس الواقع الحقيقي وتؤكد الوجود العربي على المستوى العالمي، وذلك عبر استغلال القدرات والطاقات والإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة لإرساء قواعد ومستلزمات صناعة إعلامية تستطيع أن تنافس وتسوّق الأفكار والقيم والهوية العربية الإسلامية للآخرين، ويجب ألا ننسى أنّ الإسلاموفوبيا من السمات الرئيسية والمواضيع الحساسة لوسائل الإعلام الغربية منذ نهايات القرن الماضي.
إنّ معركة القرن الحادي والعشرين هي معركة إعلامية معلوماتية واتصالية والنجاح فيها حليف من يعرف كيف يستغل تكنولوجيا الإعلام والاتصال وصناعة المعرفة وقد حان الوقت لتحرير الإعلام العربي من القيود ومنحه الوسائل والسبل ليبدع ويفكر وينتج وينافس، عندها فقط يتمكن هذا الإعلام أن يكون فاعلاً في إدارة الأزمات بدل أن ينفعل بها!!