الاتجار بالبشر (1).. بقلم: د. خلود أديب

الاتجار بالبشر (1).. بقلم: د. خلود أديب

تحليل وآراء

السبت، ٢٤ يناير ٢٠١٥

يمثل الاتجار بالبشر واحداً من أكبر التحديات المعاصرة، فلم يعد الاتجار بالبشر حصراً على فئةٍ معينةٍ، بل أصبح المعرضون له أكثر اتساعاً من ذي قبل، فالأطفال والنساء هم عصب الحياة للاتجار بالبشر بمفهومه الحديث.
ونظراً للتداعيات الخطيرة لهذه الظاهرة، وآثارها على المجتمع، جاء القانون الدولي رافضاً لكافة أشكاله باعتباره شكلاً خطيراً من أشكال الرقّ. وشُرّعت التشريعات الدولية والوطنية التي حرّمت كافة أشكاله، وسخَّرت الدول إمكانياتها للتصدي له بكافة السبل.
عرّف بروتوكول الأمم المتحدة لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال الاتجار بالأشخاص على أنّه "تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة, أو استغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال" (الفقرة الفرعية (أ) من المادة (3)). ويشتمل الاستغلال في حده الأدنى على استغلال الآخرين في الدعارة أو الأشكال الأخرى من الاستغلال الجنسي أو العمالة أو الخدمة القسرية أو العبودية أو ممارسات مشابهة للعبودية أو العمل بالإكراه أو نقل الأعضاء.
نلاحظ من هذا التعريف شموليته لغالبية الأفعال (التجنيد– النقل- التنقيل- الإيواء- الاستقبال) التي تقود للاتجار بالبشر. وفي جانب الغرض من الاستغلال فقد ضم التعريف غالبية الأغراض من عمليات الاتجار فذكر استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، والسخرة، والخدمة قسراً، والاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، والاستعباد أو نزع الأعضاء.
ويكون الهدف الأساسي والأول من ممارسات الاتجار بالبشر، بصوره المختلفة، هو الربح المادي، فهناك منظمات تعمل داخل البلد المصدر، ولكن إدارتها تكون خارجه. ويكون لهذه المنظمات، عادةً، اتصالات بدول أخرى، بالإضافة إلى وجود سمسار في دول المصدر. كما أنّ عملية الاتجار بالبشر تتعدى لما بعد الحدود؛ ويشكل عدم التنسيق بين الأجهزة الأمنية منفعة لهذه المنظمات، وكلما كان الوضع السياسي أو الاقتصادي في البلد متدهوراً، كلما ازداد احتمال وجود هذه المنظمات في البلاد؛ فالضعف في حماية الحدود والجهل والفقر كلها عوامل تساعد المنظمات الإجرامية على انتهاز الفرصة للمتاجرة بالبشر. وتمثل العوامل الاجتماعية أحد أهم أسباب انتشار جريمة الاتجار بالبشر، لأنّها تؤثر في كلّ من العرض والطلب وعدد المشتغلين بهذا النشاط من التجار والوسطاء والسماسرة. فالعوامل الاجتماعية متعددة ومتداخلة مع بعضها البعض؛ من أهمها التفكك الأسري، وضعف النظام التعليمي، والتأثير السلبي للتلفاز ووسائل الإعلام الأخرى على ثقافة الأسرة، وضعف منظومة العادات والتقاليد، وضعف الدور التوعوي لأجهزة الدولة. ولابد من ذكر أنّه غالباً ما يكون البلد المقصد لجرائم الاتجار بالبشر في خانة البلدان المترفة مادياً، ولذلك يكون محط أنظار المنظمات الإجرامية. 
وقد أصبحت مشكلة تهريب البشر مشكلة عالمية وتعاني منها جميع الدول، حتى الدول العربية. وكلّ إنسان معرض للاتجار به، إذ تبيّن أنّه يتم الاتجار سنوياً بنحو 600-800 ألف شخص في أميركا؛ ولكن التقارير تشير إلى أنّ الرقم أكبر من هذا بكثير ويصل إلى الملايين في جميع أنحاء العالم، ولا يوجد رقم صحيح لهذه الظاهرة، وذلك لعدم القدرة على إحصائها.
لا يمكن إنكار حقيقة انتشار هذه الظاهرة على نحوٍ خطيرٍ في سورية نتيجةً للأزمة الحالية وتداعياتها. ففي حين كانت سورية بلد عبور لجرائم الاتجار بالبشر، أضحت بلداً يعاني من الاتجار بمواطنيه من النساء والأطفال؛ الشريحتين الاجتماعيتين الأكثر هشاشةً في زمن الأزمات والنزاعات. وهذا يستدعي مراجعة القانون الوطني ذي الصلة ومدى نجاعته في مكافحة هذه الظاهرة المتفشية والثغرات التي يجب تلافيها عبر تعديله بما يتناسب مع حجم وخطورة هذه الظاهرة الإجرامية.
يتبع...