غارة الجولان بين الهلع الصهيوني وانتصارات الميدان

غارة الجولان بين الهلع الصهيوني وانتصارات الميدان

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٠ يناير ٢٠١٥

الكلام في حضرة الشهداء يحتاج منا الإرتقاء الى مستوى يخاطب نبل تضحياتهم وطهر دمائهم، فكيف اذا كان هؤلاء الشهداء قادة وأبناء قادة.
لن يكون ما حصل في الجولان السوري من استهداف لثلة من مجاهدي حزب الله هو خاتمة الصراع مع الكيان الصهيوني، ولكنه بالتأكيد سيشكّل نقطة تحول هامة في سياق الحرب الدائرة في المنطقة.
إنّ قراءة تداعيات هذه الغارة يجب أن تنطلق من فهم طبيعة المكونات التي ترتبط باعتبارات الميدان في لبنان وسورية والعراق وكل المنطقة والدور الصهيوني المباشر وغير المباشر في هذا الميدان، إضافةً الى العامل الصهيوني الداخلي والتحديات التي تواجه الكيان الصهيوني على كافة المستويات.
أولاً: في توصيف الغارة
لم يكن خافياً على ما يبدو على الإستخبارات الصهيونية المهمات التي ينفذها حزب الله في الجولان لجهة تقديم الإستشارة والمساعدة الفنية للمقاومة الشعبية السورية في الجولان السوري، ولا حتى وجود الشهيد جهاد عماد مغنية في منطقة الجولان بمعزل عن مهماته هناك التي يتبارى الكثيرون في توصيفها والكلام عنها.
والغارة بحد ذاتها تصنّف في البعد العسكري كعملية موضعية ذات أهداف استراتيجية تتعلق بإعاقة عمل حزب الله في الجولان لجهة تحضير الجبهة هناك للدخول في مرحلة المواجهة مع الكيان الصهيوني عبر تنظيم عمليات المقاومة الشعبية ونقل الخبرات المطلوبة لها والإشراف على وضع الجبهة، وما وجود العميد الإيراني محمد علي الله دادي أحد ضباط حرس الثورة الإيراني الذي أعلنت إيران استشهاده اليوم إلّا دليل على تصرف محور المقاومة بمنطق وحدة الأهداف والجبهات.
أما ماذا نعني بوحدة الأهداف والجبهات فهو استدلال مرتبط بتصريحات القادة الإيرانيين والسوريين، وكذلك ما صرح به السيد حسن نصرالله في مقابلته الأخيرة عن أنّ محور المقاومة يتصرف بمنطق الشراكة الكاملة بمواجهة الهجمة الشاملة.
ولأنّ مقابلة السيد نصرالله الأخيرة رفعت منسوب الهلع عند شعب الكيان الصهيوني فعلى الأرجح كان توقيت الغارة مرتبطاً بثلاثة أمور وهي:
أ‌- الجبهة الداخلية "الإسرائيلية".
ب‌- انتصارات الجيش السوري في الميدان.
ج- تنامي قدرات المقاومة.
في الموضوع المرتبط بالجبهة الداخلية "الإسرائيلية"، فإنّ هذه الجبهة ومنذ العام 2000 تشهد تراجعاً مستمراً في مستوى الأمان وتدني الروح المعنوية وحس الإرتباط بالدولة الموعودة ككيان نهائي لليهود في العالم، هذه الجبهة لم تعد تملك عمقاً جغرافياً استراتيجياً، ففي أي حرب قادمة لن يكون بالنسبة "للإسرائيليين" جبهة خلفية يلجؤون إليها للإحتماء من ضربات الصواريخ، فكامل فلسطين المحتلة ستكون تحت النار، وستكون الخيارات بين الهجرة والملاجئ، وسيكونون بين كماشة فكها الأول في الشمال ويمتد من الناقورة الى كامل امتداد الجبهة السورية، والفك الثاني في الجنوب يمثله قطاع غزة الذي يشكل بالنسبة "للإسرائيليين" مصدر رعبٍ متنامٍ.
عامل آخر يتحكم بالداخل الصهيوني وهو الإنتخابات التي تسعى كل الأطراف الى كسب الشارع من خلال مخاطبة رغباته وهواجسه، حيث لا يزال في القوى السياسية الصهيونية من يعمل على إدارة الصراع انطلاقاً من عامل الحرب الدائمة كرافعة تحاول القوة السياسية الحاكمة دائماً أن تستخدمه لتأكيد تفوّق "إسرائيل" ورفع معنويات المجتمع الصهيوني بعد سلسلة الهزائم والإخفاقات منذ العام 2000 والتي تُفقد الكيان الصهيوني عاملي التفوق والردع.
في الموضوع الثاني، ليس مخفيًّا ما يحصل في سورية منذ سنة وحتى اللحظة، حيث اتجهت سورية الى خارطة سيطرة مختلفة تماماً عما كانت عليه، حيث يحقق الجيش العربي السوري إنجازات ميدانية كبيرة في محيط المدن الكبرى وفي أكثرمن مكان من الأرض السورية، وربما تكون هذه الغارة تهدف في مكان ما الى جرّ القيادة السورية ومحور المقاومة الى ردة فعل شاملة قد تكون فيها دمشق هي الهدف الرئيسي لـ"إسرائيل" إمّا بتقدّم "إسرائيلي" مباشر، أو من خلال لعب دور سلاح الجو للجماعات المسلحة وبشكلٍ كثيف لتغيير النتائج الحالية لوقائع الميدان، خصوصاً أننا وفي ريف دمشق تحديداً نشاهد هذه الأيام تحولاً نوعياً للسوريين الذين يتركون الغوطة الشرقية بالآلاف إضافةً الى مئات المسلحين الذين تتم تسوية أوضاعهم، وهذا العامل برأيي يتوازى وربما يتفوق على العامل الميداني في تحقيق النتائج، كونه يحرم الجماعات المسلحة من بيئتها الحاضنة ويتركها دون سقف تحتمي به.
في الموضوع الثالث لم يخفِ السيد حسن نصرالله في مقابلته الأخيرة قدرات المقاومة العسكرية والبشرية والتي رفعت مستوى الرعب لدى "الإسرائيليين"، وفي هذا الجانب يراهن الجانب الصهيوني على ارتجال المقاومة لرد يشكل بالنسبة له الذريعة التي ينطلق منها الى معركة جس نبض وربما معركة شاملة.
ومن خلال متابعة آراء الخبراء "الإسرائيليين" نراهم منقسمين الى فريقين، فريق يعتبر التدخل "الإسرائيلي" نوعًا من المغامرة غير المدروسة، وفريق يدعو الى استعجال الحرب، وهؤلاء ينطلقون من أنّ ترك حزب الله يراكم قدراته سيصعّب المعركة أكثر، فكل يوم يمضي يجعل حزب الله أقوى عديدًا وعتادًا.
الملفت للنظر بعد الغارة أنّ حزب الله اكتفى ببيانٍ مقتضبٍ نعى فيه الشهداء ولم يتضمن أي عبارات أخرى تدل على الرد أو كيفيته، وكذلك التشييع الذي لم يتضمن خطباً أو كلمات واقتصر على مراسم التشييع الدينية والشعبية، وهو ما سيربك القيادة الصهيونية أكثر ويوتّر "الإسرائيليين" جميعاً، خبراء وعامة.
من المؤكد أنّ "إسرائيل" تهدف من خلال هذه الغارة الى رسم قواعد اشتباك جديدة تنطلق من مصالحها وغاياتها.
أمّا الرد فهو بالتأكيد قادم، لكن توقيته وزمانه وحجمه مرتبط بتقييم تفصيلي، وتقدير دقيق للموقف كمرحلة تسبق مرحلة اتخاذ قرار الرد، وباعتقادي أنّ قيادة المقاومة إضافةً الى تقييمها الخاص، سيكون هناك تقييم مشترك مع القيادتين السورية والإيرانية، فالشهداء لبنانيون وإيراني والأرض التي استشهدوا عليها أرض سورية، وهو في البعد المعنوي والعاطفي يؤكد الشراكة بين مكونات محور المقاومة ويدفعها الى آفاق أكثر فاعلية.
فما الذي تحمله لنا الأيام القادمة؟ سؤال سيكون بمقدور قيادة المقاومة وحدها الرد عليه.