تركيا المسرح القادم للحرب على داعش

تركيا المسرح القادم للحرب على داعش

تحليل وآراء

الأحد، ١٨ يناير ٢٠١٥

باتت تركيا اليوم مقراً للجهاديين والمجموعات المسلحة القادمين من شتى الأصقاع، فهناك من يستقبلهم وينظم إقامتهم وترتيبات إنتقالهم في أماكن معروفة للجميع، وكان من السهل على كل شخص يمر على المعابر في الجانب التركي أن يرى هؤلاء الجهاديين والمقاتلين منتظرين ختم الخروج من تركيا بالطريقة الشرعية في ظل غض الطرف التركي عنهم، فهذه الرؤية ليست جديدة، ولكنها عادت بقوة من جديد لتطفو على السطح بعد أن شكل دخول حياة بومدين، صديقة أحد منفذي "هجمات باريس"، إلى تركيا ومن ثم العبور إلى سورية مثار جدل واسع عن التساهل التركي في عبور المقاتلين الأجانب إلى سورية، في إطار هذا تواجه تركيا إدانات وإتهامات بأنها دعمت داعش منذ نشأته، كما أن الأجهزة الأمنية التركية لم تعمل على منع تدفق المتشددين الراغبين في الإنضمام إلى التنظيم الذي يسيطر على مساحات واسعة من سورية والعراق. في سياق متصل، بدأت وسائل الإعلام الغربية في الأيام الأخيرة بنشر وثائق خطيرة عن دور تركيا في الأزمة السورية وعلاقتها بداعش، وذلك إنعكاساً للخلاف الحاصل بين إسرائيل وتركيا، كما تناولت صحيفة التايم البريطانية تقريراً صحافياً، يتحدث عن جهادي بريطاني منتمي إلى داعش موجود في سورية، كاشفاً عن علاقة تركيا والمسؤولين الأتراك مع التنظيم بالوقائع من خلال تجربته الشخصية وما حصل له في تركيا، وأهم ما جاء في التقرير هو التفاصيل التي كشف عنها هذا البريطاني والمتعلقة بإحتجازه مع زملائه الآخرين من رجال داعش في تركيا وطبيعة العلاقة بين التنظيم وتركيا، والمعاملة التي حظي بها هو وزملاؤه من المسؤولين الأتراك في تلك الفترة. من الواضح ليس هناك سياسة تركية واحدة تجاه دول المنطقة، بل سياسات متعدّدة، وذلك تبعاً لمصالحها ولم يعد سراً على الإطلاق أن تركيا دعمت وأرسلت المسلّحين المتطرفين إلى سورية، بهدف إسقاط الرئيس الأسد ولتحقيق مكاسب سياسية وإستراتيجية، ولم يكن ظهور تنظيم داعش بهذه القوة مفاجئاً، إنما يرجع تمكنه من السيطرة على معظم المناطق في سورية والعراق إلى دعم الإستخبارات الغربية وحلفاؤها في المنطقة، فبعد تشكيل التحالف الدولي بقيادة أمريكا لمحاربة داعش، رفضت أنقرة المشاركة العسكرية في هذا التحالف، مفضلة إستخدامها كورقة ضغط لتحصل على المزيد من المكاسب، ورغم إقرار البرلمان التركي توسيع تفويض الجيش لشنّ عمليات عسكرية خارج الأراضي التركية، تمنّعت أنقرة عن المشاركة العملية في التحالف، واضعة شروطاً على مشاركتها،أهم هذه الشروط، إسقاط النظام السوري، وفرض منطقة عازلة وحظر جوي على الحدود السورية ـ التركية، بالمقابل لم تلقَ هذه الشروط تجاوباً لدى واشنطن التي أرادت إنضواء تركيا الكامل في التحالف من دون شروط، لذلك مضت تركيا في أجندتها الخاصة فيما يتعلق بدورها من الأزمة السورية، وليس خافياً على أحد أن هناك مشكلة جدية بين أنقرة وبقية الدول في التحالف لناحية الرؤية والأهداف، فأنقرة تريد أولاً إسقاط الرئيس الأسد، فيما تعلن دول التحالف تركيزها على الحدّ من خطر داعش. في إطار ذلك نرى أن تنظيم داعش بدأ ينتشر بشكل متزايد ومتسارع، ويستطيع هذا التنظيم حشد مقاتلين ذوي ميول سلفية في أوروبا أو مختلف دول العالم بسرعة كبيرة، كما أن المقاتلين المنضوين تحت رايته يعتبرون أكثر تدريباً ومهارة في إستخدام الأسلحة والذخيرة قياساً للتنظيمات الاخرى، فهذا التنظيم أستطاع أن يقلب فرنسا رأساً على عقب من خلال بضعةإرهابيين، لذلك من المحتمل جداً أن يتحول داعش إلى فيروس سرطاني ينتشر في جسد تركيا إذا ما نشطت خلاياه النائمة، فتركيا كانت قد فتحت ممرات مساعدات لحزب العمال الكردستاني وبهذا فقد تحولت إلى هدف مباشر لداعش، وقد أصبح ممر كوباني خطراً كبيراً بالنسبة لتركيا التي يجب أن تفكر في حماية أمن أراضيها كونها جارة لتنظيم إرهابي لديه القدرة على تنفيذ العمليات الإرهابية الكبيرة في مختلف دول العالم، من هنا لا بد لتركيا أن تستعد للعمليات الإنتقامية التي سينفذها داعش في مناطقها، إذ أفاد تقرير لأجهزة الإستخبارات التركية أن حوالى ثلاثة آلاف شخص يقيمون علاقات مع تنظيم الدولة الاسلامية، وحذر من مخاطر وقوع هجمات ضد مصالح غربية في البلاد، ما إعتبره مراقبون ضريبة لدور تركيا الضبابي في الحرب على الإرهاب وتحفظها على مقاتلة الدولة الإسلامية، والتقرير الذي نشرته صحيفة حرييت، يدعو الى مراقبة متنامية لهؤلاء الالاف بهدف معرفة الدور المحدد لكل منهم، وتابع التقرير من جهة أخرى إن إنذاراً شديداً أرسل الى الأجهزة الأمنية محذراً من هجمات محتملة ضد سفارات دول غربية يشنها جهاديون من تنظيم داعش في غمرة الهجمات الدامية التي وقعت في باريس، وهنا يمكنني القول إن تركيا التي تعد معبراً للمتشددين نحو سورية بدأت تستشعر حجم الخطر الذي ينتظرها في ظل تحول أراضيها الى مرتعاً لمناصري الدولة الإسلامية، وهو ما يهدد أمنها وإسترارها بشكل واضح، وبالتالي فإن تركيا مهما تقدم مساعدات للمتطرفين فان الخطر يحيط بها لأن الارهاب لا يستثني أحداً واذا ما إنتهت المصالح تنطلق شرارة الدم في البلاد، والأمثلة كثيرة ففي السادس من كانون الثاني نفذت شابة في إسطنبول هجوماً إنتحارياً أدى الى مقتل شرطي، كما أحبطت الأجهزة الأمنية في وقت سابق مخططاً إرهابياً يستهدف مدناً وشخصيات تركية، عن طريق خلية نائمة تتبع التنظيم المتطرف، والذي إعترف أعضاؤها بتلقيهم تدريبات عسكرية في معسكرات التنظيم في سورية والعراق، كما أطلق مجهولون قذيفة صاروخية على مبنى حكومي يضم مركز الشرطة والمجمع السكني والمبنى الإداري لبلدة جيزرة التابعة لمحافظة شرناق بجنوب شرقي تركيا، وقد أعلن وزير الخارجية التركي أوغلو في وقت سابق أن 700 مواطن تركي يقاتلون في صفوف تنظيم داعش، محذراً من مخاطر وقوع هجمات داخل تركيا في حال عودتهم إليها،لاشك في أن تنفيذ داعش لهجمات إرهابية داخل الأراضي التركية يعتبر أمراً أسهل بكثير من تنفيذه عمليات مشابهة في فرنسا. وأختم مقالي بالقول إن تركيا تدخل دوامة الإرهاب، ويبدو أن تركيا عالقة في شباك الصراعات الإقليمية والدولية في كل من سورية والعراق، لذلك من المحتمل أن تغير مسارها في مكافحة التنظيمات الإرهابية بعد هجمة باريس، ويجب ألا نتفاجأ إذا إتخذت أنقرة سياسة حذرة وأكثر دقة إزاء داعش والتعامل مع سورية وذلك لتقوية موقفها الدولي في الحرب على الإرهاب في الأيام المقبلة، الحرب الدولية على الإرهاب تظل قاصرة ما لم تضع أطرافها، في حسبانها العامل التركي، فتركيا هى الرئة التى تتنفس منها الجماعات الإرهابية وتحصل على الدعم الذي هو عامل قوة كبير بالنسبة لهذا الجماعات الذي يمنحها الإستمرار، لذلك نأمل من تركيا كدولة إقليمية وإسلامية أن تبقى في غطار الإقليم لتعزيز روابط العلاقات مع إمتنا العربية، وبالضرورة يجب على أمتنا العربية أن يكون لها إستراتيجيتها حتى تستطيع مواجهة الإستراتيجيات والمؤامرات التي تحاك ضدها.