الربيع الاقتصادي العالمي.. بقلم: إيفلين المصطفى

الربيع الاقتصادي العالمي.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ١٨ يناير ٢٠١٥

Evlism86@gmail.com

يخطئ من يعتقد بأنّ اللعب بالنار قد يكون مجرد لعبة، خاصة في ظل الفوضى التي يشهدها العالم والتي بمجرد المرور عليها يدرك المتابع أنّ العالم بات يحتاج لمن يساهم في إطفاء حرائقه سواء منها السياسية أو الاقتصادية.
من هنا ندرك بأنّ النار الاقتصادية التي اشتعلت نهاية العام الماضي مازالت تواصل بلهيبها حرق ما يعرف بالعامية "نار تحرق الأخضر واليابس"، فمازالت روسيا تعاني من أزمة انخفاض سعر النفط عالمياً وسعر صرف عملتها "الروبل" أمام العملات الأجنبية، ومازالت كييف تعيش صراعاً حول قدرتها على استمرار استجرار الغاز الروسي، ولا يخفى على أحد تصاعد أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو والتي دفعت باليونان لتكون الحدث الأهم في منطقة اليورو على الصعيد الاقتصادي حالياً خاصة مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية في 25 من كانون الثاني الجاري والذي سيكون مفصلاً هاماً في بقاء اليونان ضمن منطقة اليورو أو خروجها منها.
ودون أن نتجاهل الأحداث في المنطقة العربية بمآسيها وما خلقته من عواصف دمرت بلداناً وهجّرت شعوباً تحت ما سمي "بالربيع العربي" إلا أنّ الربيع لم يبق ضمن المنطقة العربية رغم استمراره فيها، لكنه تمكن من تغيير المناخ وجعل المناخ الأوروبي يستعجل وقت الربيع إلا أنّ الربيع الأوروبي جاء بنكهة اقتصادية أجج فيها غضب الأوروبيين خاصة في دول الاتحاد الأوروبي الذي يقبع على فوهة بركان ربما تؤدي إلى تفككه.
والسؤال هل يعيد الاقتصاد الأوروبي حالياً ما تعرض له في التسعينيات؟ ربما يكون من السهل أن ننسى ما الذي حدث في العقود السابقة لكن العودة بالزمن إلى ما قبل 15 عاماً ربما يجعلنا قادرين على معرفة ما يجب فعله وما الذي يتوجب تفاديه دون أن ننسى أنّ أوجه الشبه ليست متطابقة تماماً، لكن هناك ثلاثة اتجاهات كانت ضالعة في زعزعة الاقتصاد العالمي آنذاك، ويمكنها أن تفعل الشيء نفسه الآن.
الاتجاه الأول هو الفجوة الكائنة بين اقتصادات العالم التي تتصدر المراتب الأولى عالمياً، حيث نجد أنّ النمو في الولايات المتحدة آخذ في التسارع، وكل ما عداها تقريباً من دول فإنّ النمو آخذ في التباطؤ وكأن الاقتصاد العالمي يسير مستخدماً محركاً واحداً.
لكن المؤشرات ليست كلها جيدة، فانخفاض أسعار النفط يمكنه أن يدفع كثيراً من منتجي النفط الصخري في أميركا إلى الإفلاس في 2015، في حين سيلحق تصاعد قوة الدولار والضعف في الخارج ضرراً بالمصدرين، مثلما حدث بالضبط منذ 15 عاماً مضى وربما ينال ببريطانيا نصيب من مشكلات منطقة اليورو.
كما أنّ وجه الشبه الثاني المقلق بين الوضع الحالي وأواخر التسعينيات يعود لتراجع معدل النمو في ألمانيا إلى نحو 1%، وهناك ضائقة أشد عمقاً ناجمة عن الضعف الحاصل في الاستثمارات منذ سنوات، وعن اتباع سياسة كارثية في قطاع الطاقة، وعن الحكومة المهووسة بالمستهدفات المالية العامة، لدرجة تمنعها من إنفاق المال، والخائفة من ناخبيها لدرجة تحول دون أن تفرض نوعية الإصلاحات الهيكلية وفي الوقت نفسه نجد اليابان كررت الخطأ الذي ارتكبته في عام 1997، حيث فشلت في الهروب من هوة الركود بزيادة سابقة لأوانها في ضرائب الاستهلاك.
ومن جهة ثانية فإنّ الصدى الثالث من أصداء التسعينيات هو الخطر الماثل في الأسواق الصاعدة، ففي ذلك الحين، كانت المشكلة تتمثل في أسعار الصرف الثابتة والدين الخارجي الثقيل جداً، أما الآن فالديون أقل، وأسعار الصرف عائمة، ومعظم الحكومات راكمت احتياطيات، ومع ذلك فهناك بوادر متنامية على مشكلات تلوح في الأفق، ولاسيما في روسيا.
ويكمن الخطر في البلدان الأخرى في قطاع الشركات، فكثير من الشركات البرازيلية متدينة ديوناً باهظة بالدولار، وعلى الرغم من أنّ حدوث سلسلة من التعثر في سداد الشركات ديونها ربما يكون أقل ضجة وأخف أثراً من أزمات الديون السيادية التي شهدتها آسيا في التسعينيات، فإنّها ستصيب المستثمرين بالقلق وتدفع الدولار إلى الارتفاع.
وإذا مزجنا كل هذه العناصر معاً، سيبدو عام 2015 على الأرجح مليئاً بالعثرات. سيراهن المتشائمون على أنّ الدولار الآخذ سعره في الارتفاع، مقروناً بالفتور الذي تشهده منطقة اليورو، وبعض الأزمات في الأسواق الصاعدة، سيتمخض في نهاية المطاف عن تراجع اقتصادي في الولايات المتحدة.
لكن إذا حدث وتعثر الاقتصاد العالمي فعلاً، فإنّ استعادة الاستقرار ستكون أصعب هذه المرة؛ لأنّ واضعي السياسات ليس أمامهم إلا مجال ضئيل للمناورة، فآنذاك في 1999، كان معدل الفائدة على الأموال الفيدرالية نحو 5%، ما ترك مجالاً واسعاً للتخفيض عندما تباطأ الاقتصاد، أما في يومنا هذا فأسعار الفائدة في كل أنحاء بلدان العالم الثرية قريبة من الصفر.
كما أنّ المشهد السياسي أيضاً مختلف ففي نهاية التسعينيات، كان معظم الناس في البلدان الغنية يتمتعون بثمار الانتعاش وفي عموم بلدان العالم الغنية، نجد الناخبين غير راضين بالفعل عن حكوماتهم، وذلك كما تُظهر أعداد المقترعين واستعدادهم للتصويت احتجاجاً، وفي حال تعرض الناخبون للتضييق، فإنّ هذا الشعور بعدم الرضا سيتحول إلى غضب وهو ما يمكن أن نراه قريباً في اليونان، ربما يبدو الربيع الاقتصادي نسخة شبيهة باقتصاد التسعينيات لكن الربيع السياسي سيكون على الأرجح أسوأ بشكل كبير.