العبور إلى العقل العربي.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

العبور إلى العقل العربي.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

تحليل وآراء

الأحد، ١٨ يناير ٢٠١٥

لا أعتقد أنّ أحداً يمكن أن يتحفظ على القول بأنّ الكلمة باتت اليوم الأقدر من سواها على التأثير في العقل خصوصاً حين يكون العقل قابلاً للتأثر بها عشوائياً. العقل المقصود هنا هو العقل العربي وأما الكلمة فهي تلك التي وردت في كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون" وكانت دليل عمل الحركة الصهيونية منذ أن دأبت على تحقيق أسطورة "الأرض الموعودة" أو "الفردوس المفقود" التي وعد إله اليهود "يهوه" بأنّ فلسطين لهم.
وحتى تتمكن الحركة إياها من اختراق الحواجز التي يمكن أن تحول دون تحقيق الحلم اليهودي بإقامة دولتهم على الأرض الموعودة، اختارت استخدام الكلمة، ولهذا الاعتبار أسست جريدة باسم "بريد اليوم" في شهر أيار من عام 1920 ثم أتبعتها بتأسيس جريدة "السلام" في أواخر الشهر عينه. وحتى تؤدي هاتان الجريدتان المطلوب منهما، سخّرت الحركة لتحرير موادهما عدداً من كبار الكتاب اليهود في مقدمتهم "نسيم ملّوك" وكان قبل ذلك مراسلاً لجريدة "المقطم" في فلسطين.
وكان الهدف من تأسيس هاتين الجريدتين السعي لتكوين رأي عام عربي في فلسطين يتقاطع مع الفكر الصهيوني حصراً، وذلك وصولاً إلى إقناع العرب بأنّ ما لليهود هو عطاء من الله لا منّة من أحد. وقد قيل في تلك الفترة، كما نذكر، على لسان أحد حاخامات اليهود أنّ اختراق العقل العربي لا يحتاج إلى عناء كبير إذا تم من أجل ذلك استعمال أدوات قادرة على التعامل مع العقل العربي المصنوع من الإسمنت.
وحين أسس الكاتب اليهودي المعروف "شمعون مويل" جريدته "صوت العثمانية" باللغة العبرية دعماً لجريدتي "بريد اليوم" و"السلام"، تمكنت الحركة الصهيونية بذلك من كسب مؤيدين جدد لها، ومع مرور الوقت أصبحت قادرة على ممارسة الضغط على حمل الحكومة البريطانية على تنفيذ وعد بلفور الصادر في العام 1917.
ونحن نعلم أنّ كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون" أوصى بين ما أوصى به أن تأخذ الحركة الصهيونية بعين الاعتبار أهمية الصحافة لتسخير الرأي الآخر وتضليله لخدمتها، على نحو ما أوصى به رجال القانون لجعل الحق باطلاً والباطل حقاً لجهة الفصل في القضايا لصالح اليهود، وكذلك أوصى رجال الأعمال لاكتناز الأموال، وصولاً إلى آخر الوصايا وفيها: خذوا العالم بمالكم ونسائكم.
على غرار هذا المسار، ولد الكيان الصهيوني في منطقتنا العربية، في ضوء غياب العقل العربي في متاهات تآمر العرب بعضهم على بعض، ما أدى إلى الوقت الراهن، ونحن نشاهد كيف سارعت دول الغرب لدعم فرنسا "المنكوبة" بنتيجة اعتداء على مجرد مجلة، بينما بقي هذا الغرب صامتاً مغلول اليدين وهو يسمع ويرى مشاهد تدمير المشافي والمدارس والكنائس والمساجد والمؤسسات الحكومية وكل ما يشكل معلمَ حضارة يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد بآلاف القرون. على هذا النحو، نجح مؤسس الحركة الصهيونية "تيودور هرتزل" في تحقيق حلمه في العام 1948 بينما نحن "أمة العرب" مازلنا نفتش، هنا وهناك، عن طريقة نهزم بها هذا "النظام" أو ذاك بحجج لا تمت إلى الدين أو إلى المعتقد بصلة بمقدار ما تمت إلى نوايا أعداء أمتنا العربية المحتلين أرضنا بادعاء باطل.
ترانا متى نستطيع، نحن أمة العرب، أن نجعل "الكلمة العربية" موحدة واحدة قادرة على اختراق العقل الآخر، العقل الصهيوني، وخصوصاً في الوقت الراهن حيث وسائل الإعلام غدت سلاحاً حقيقياً وفاعلاً على الأرض هنا وفي أرجاء العالم كافة؟
iskandarlouka@yahoo.com