الرئيس الأسد: أبقى لنا حرّية إختيار الغد، وأبقى على نافذة المستقبل مفتوحة

الرئيس الأسد: أبقى لنا حرّية إختيار الغد، وأبقى على نافذة المستقبل مفتوحة

تحليل وآراء

الجمعة، ٢ يناير ٢٠١٥

في الوقت الذي تتداعى فيه "المعارضة المعتدلة" لتقاسم الوطن، لا حمل أعبائه ومشاركته أحزانه، وفي زمن الزحف على الوجه والظهر والأجناب نحو إلتهام "مغانم" الأربع العجاف... وعلى بعد أمتار قليلة من فنادق النجوم الكثيرة، وصالات السهر والصخب والتفلّت من الواقع ومفارقته... وعلى بعد خطوات من أرصفة شوارع تضج بشباب لاه، هرب من وطنه ورجولته، وألتصق كثيراً جداً بمرآة التبرج والأنا المنتفخة، يسعى إلى لملمة بقايا أنثى فقدت الكثير من إنسانيتها وكبريائها على أرصفة "العصرنة"... يا إلهي كم كان البون شاسعاً بين جنبي المدينة!. جمع يعيش الحرب بكل تفاصيلها، وآخر بها يزداد تكرشاً وإنحطاطاً، ثلّة تحمي دمشق الشام، وبعض أهلها طَرِب أو غلبه النعاس فنام... لا أعلم كيف، ولماذا، ومنذ متى، وإلى متى، تنام هذه الملايين ومدينتهم يحاصرها الإرهاب، ويتهددها اللصوص؟؟؟!. إلى خاصرة دمشق الشرقية، وفي ليلة خصصها العالم ليحتفل بإستقبال عام جديد، يصل الأسد. "الأمال كثيرة جدا عند المواطنين، ولكن اكبر امل هو بانتصار قواتنا المسلحة سواء كان من الجيش أو كل بطل منكن مسك الباروده وقاتل مع قواتنا المسلحة... حبيت كون معكم لحتى نحييكم، ولما نحييكم نحيي عبركم كل عسكري، وكلّ مقاتل، وكلّ شاب بطل مسك بارودته وقاتل مع الجيش في كلّ مكان من سورية، وعلى كلّ خط نار عم نقاتل فيه الإرهابيين، وندافع عن البلد". جاء ليكون مع إخوته الذين إختاروا أن يكونوا في صف الوطن، كلّ الوطن. جاء ليشد من عضد رجال الشمس، ويشتد بهم ساعده. جاء ليقول لهم: أنتم التحيّة التي بها يبدأ العام، ومنكم تسافر إلى من يستحقها. العام الجديد بكم يبدأ، وسورية القادمة أنتم تحيتها، وتعويذتها، وإيقونتها. عبركم نرى الوطن، فالتحية لكم، ولكل من قاتل معكم، ولكل شاب سوري غادر بيته ليسكن قلب سورية. لكل شاب سوري، نجح في تجاوز إختبار الإغواء والإغراء. حضن الأم إغواء، حضن الحبيبة إغراء، مصدر الرزق إغواء، دفء العائلة إغراء، والحياة إغراء وإغواء. "ما حدى محتفل فينا، وما حدى معيّد، كلنا بحرب والأيام كلها مثل بعضها... كل عام وأنتم بالمزيد من الإنتصارات. أنتم يلي عم تحموا البلد، ومستقبل الوطن كلّه موقف عليكن وعلى معنوياتكن..."، بصدق لم أعثر على مفردات تقارب هذه الكلمات، فهي خليط معقد من المشاعر المتقابلة، والمواقف المتصارعة. عام جديد يمرّ علينا ونحن نحارب من كان يوماً إبناً لهذه الأرض، أدخل بمغامرته أو جهله أو إرتزاقه كلّ مجرم وقاتل وطامع. وآخر كنّا نحسبه جار شقيق، فإذا به عدو لدود، أشرع الحدود، وأستقال من حمايتها، ليتدفق عبرها طوابير من البشر أغراهم المال، وأغواهم القتل. وثالث كنّا نعده أخاً قريب، فإذا به شيطان أثخنه الحقد والتآمر لا يرى الكون برحابته قادر على تحمل بقاء كلانا. وعاصمة تحوي عدة ملايين من السكان، وغير قادرة حتى اللحظة على تشكيل قوة دفاع وطني من سبعين أو مئة ألف مقاتل لحمايها، وتطهير ما تبقى ملوثاً بالعمالة والحقد من غوطتها، ويحها، كيف لم تُثر بغداد بحشدها الشعبي الغيرة فيها؟!!!. "إذا فيه مساحة من الفرح باقية في أي بيت من بيوت سورية فهي بفضل الانتصارات الي عم تحققوها..."... هم فقط من يخلق رغماً عن كل الدنيا هذه المساحة الضيقة من الأمل، وهم فقط من يحافظ على هذه الجذوة من نور، وما من زيت لها سوى دمهم الطاهر... هم بحق من " يتوقف عليهم وعلى معنوياتهم مستقبل الوطن كلّه ". تنقل بينهم، هذا يقف في وظيفته، وآخر على ظهر آليته ممسك بمدفع الرشاش، وثالث على ظهر دبابته... لم يتحرج، ولم تشغله العقد التي تستوطن البعض، مثل، أن بعضهم كان فوق قامة الرئيس وهو فوق آليته. هل راقبتم الجندي الذي قفز من على ظهر دبابته ليصافح السيّد الرئيس؟. في العادة، عندما يقفز الإنسان على التراب تثير قدماه شيء من الغبار، لكن عندما قفز هذا الرجل إنبعث الغبار من كل بقعة في جسمة، وكأن الأرض هي من تسكن جسده وليس العكس. بكل الأحوال، سيبقى غبار الأرض أطهر وأنقى وأشرف دائماً وأبداً، من ذلك الغبار الذي يلون الوجوه، ويغير معالم البشر، ليظهروا حبّاً لا وجود له، أو يخفوا عورات من المستحيل إخفائها. صافحهم، تكلم معهم، وتابع المسير إلى دشم الخطوط الأماميّة مع العدو. "جئنا لنشد همتنا فيكن، إطلعوا هلّا كيلومتر واحد برى جوبر بتشوفوا الناس كل أمورها كويسه، السبب هو بطولتكن، بيضربوا هاون، لكن كل الناس برى... هم بيقعدو تحت الأرض، بالأنفاق، بالجورة، مين بيقعد بالجورة؟ القوارض والسحالي والجرذان... ونتمنى عام 2015 يكون عام الإنتصارات، ونحنا همتنا بترتفع بإنتصاراتكن، والخير عنا والعيد هوّه إنتصارات الجيش، ما فيه أي عيد آخر". الرجولة لا تحتاج إلى إذن لتظهر أو إلى سلاح لتمارس. الرجولة إيمان، ونهج. كان صوت الرصاص يسمع حاضراً دائماً، وأحياناً كان وميضه يرى بكل وضوح. تنقل بين الدشم، وهنأ فيها رجال الوطن القابضين على مستقبله واحداً واحداً، تبادل معهم الأحاديث عن مهامهم، والتهاني والقبلات. إستقبله ثلّة من رجال الدفاع الوطني، أعاروا لله جماجمهم، وأرخصوا للوطن أرواحهم. يعذرهم السنّ، وبعض الشيب، والطابع المدني لحياتهم... لكنهم أبوا أن يتركوا سورية في محنتها ليعيشوا حياتهم الطبيعية، بادرهم الأسد:" نحن بنحييكم لأنه كان ممكن أي واحد فيكم يكون قاعد في بيته، بيوم عادي أو بيوم مثل هذا اليوم، رأس السنه، الناس تجتمع مع بعضها، عائلات، إلا أنتم، قررتم أن تكونوا هون، عم تحموا شعبكم، وعم تحموا وطنكم"... ثم يتقدم الأسد، ليصافح سيدة لو وضعتها بكفة، وجمّعت كومة من الذكور في كفة ثانية، لرجحت كفتها، المسعفة الحربية "سميره عثمان". السيّدة الممرضة، التي تركت المشفى الشامي لتلتحق بالإسعاف الميداني منذ بداية الحرب على سورية!!!. بصدق، لا أعرف، ولا أريد أن أعرف كم هو عدد "الرجال" الذين ساروا على خطا هذه القديسة!. البطاطا المسلوقة، شرائح البندوره، بعض المعلبات، لبنه... والخبز المسخن على بوري صوبة الحطب، هذا هو عشاء رأس السنة الرئاسي السوري للعام 2015. بصحبة حصننا، وسورنا، وقلعتنا، رجال القوات المسلحة، تناول الأسد، مثلهم، عشائه في مستهل العام الجديد، بعيداً عن زوجته وأطفاله ومنزله. لم يكتف بهذا، فقال:" هي تباركنا، ببداية العام الجديد نحنا جايين لناخذ المعنويات منكن". نعم هم البركة، والخير والنعمة. هم القديسون، وهم أولياء الله. معهم ختمنا العام المنصرم، وبهم نبدأ العام الجديد، لولاهم لما كان لنا أمس نودعه، ولا غد نستقبله. كما كتبت يوماً سأنهي: بأن قيمة القائد "تطغى" ولا تُعطى، والقائد ينتزع مكانه وموقعه ولا يُرسم له، والقائد "يُشرق" من عتمة الأزمات الحوالك… يُبهر الصديق قبل العدو، برباطة الجأش عندما يتزلزل الرجال، وببعد النظر عندما نغرق في الأحداث اليوميّة، وبالصبر الطويل عند إستعجال الآخرين، وبالقدرة على منح الشعور بالأمن بكلمة أو إطلالة أو إبتسامة، عندما يعزّ الأمل ويندر. ويفاجئنا – إن لزم الأمر – بقدرته على إتخاذ قرارات وفتح أبواب لم نفكر فيها سابقاً، أو كنا نظنها قرارات لن تتخذ وأبواب لن تفتح. قد لا تحب القائد كلّ الوقت، ولكنك تشعر بأنك "ملزم" بالثقة به، وأنه حريّ بأن تؤمن به، وأنه لن يخذلك إن ضاقت وأستحكمت. تفكر مطولاً بمعاتبته ولومه ونقده… ولكن عندما تلتقي به، لن تفكر إلا بالإقتراب منه، ومحاولة التحدث إليه، وشمّ عطره البشري، وتجميع أكبر قدر ممكن من ذكريات اللحظة لتسترجعها لاحقاً… . وأي شيء في هذا كلّه لا نجده في بشار حافظ الأسد؟ لقد تعرض هذا الرجل لضغوط لو أرخت أحمالها على الجبال لضجت من حَملها، وتعرض لطعنات من أشخاص كانوا حوله رفاق وفريق حكم، وخسر أصدقاء ورفاق سلاح وأقرباء عزيزين جداً، ورأى جزءاً مهماً من وطنه يتهدم أمام عينيه بأيدي بعض من شعبه وأشقائه وجيرانه، ورأى طوابير من شياطين الأرض قاطبة تتهافت لتدمير مقدرات وموارد بلده بلا أدنى شفقة أو رحمة، وعانى من الجحود والخذلان والحقد والغيرة، ووقف كنخل العراق أمام أقوى دول العالم وأكثرها همجيّة وعدوانية… . صبر، صابر، سَهِر، تعِب، حَزِن، تألم، وربما بكى كأي إنسان آخر، ولكن ذلك لم يمنعه من يبقى شامخاً كقاسيون، صامداً كقلعة حلب أو الحصن، هادراً كبحر اللاذقيّة وطرطوس، صلباً كبازلت حوران والسويداء، سمحاً كسهول إدلب، كريماً كحقول الجزيرة… قادراً على إدارة الدفة في بحر غضوب متلاطم الموج بمهارة نادرة، متماسك حدّ الخرافة، أبيّ مهما قسى الظرف، وينتقل بحكمة عالية من نصر إلى نصر . هذا الرجل، وبصدق، كان نقطة فاصلة بين تداعي المشرق العربي، وعودة أسواق النخاسة، وطوابير العبيد، ومعارض الجواري، وإهانات سيطرة المندوب السامي، وألف عام أخرى من "داحس والغبراء"، ومئة عام أخرى تضاف لعمر أمريكا الإفتراضي وعملائها وأدواتها… وبين مشرق ما زال يمتلك قراره، ومستقبل مفتوح على إحتمالات أخرى غير أسواق النخاسة والجواري وسلطة المندوبين الساميين الجدد … . يكفي الرئيس بشار حافظ الأسد مجداً أنه بصموده وصبره الشخصيين، وتحمله لمسؤولياته التاريخيّة، أبقى لنا حرّية إختيار الغد، وأبقى على نافذة المستقبل مفتوحة. لذلك أرجوكم، إكراماً لله والوطن وفقراء الناس، لا تضيعوا هذا الرجل من إيديكم. لا تخذلوا قادتكم كما فعل غيركم، فيسقط من بين أيدينا حلم كبير، ويتسرب منّا أمل عريض بغدِ كريم عزيز، فتندموا ونندم حيث لا ينفع بكاء ولا ندم.