المعارضة السورية.. «عيونها خُضر»؟؟

المعارضة السورية.. «عيونها خُضر»؟؟

تحليل وآراء

السبت، ٢٧ ديسمبر ٢٠١٤

 جرت العادة مؤخراً أن يتداول المؤيدون للدولة السورية من سوريين وغير سوريين عبارة "عيونها خُضر" مع كل استعادة للجيش النظامي السوري لأية منطقة أو بقعة جغرافية، في دلالة على نجمتي العلم السوري الخضراوين. ولا شكّ أنّ فلسفة التوصيفات كانت جزءاً أساسياً منذ بداية الحرب في سورية وواكبت مراحلها وتطورت معها، بدايةً بـ"المحبكجية" و"شبيحة الأسد" مروراً بـ"العراعير" و"الفوّار" وصولاً الى توصيف "عيونها خُضر" وهو التوصيف الذي يطلق على المناطق المحررة.

من هنا نعود أدراجنا خلفاً لتوصيف آخر هو "معارضة الفنادق"، والذي كان يطلق على الائتلاف الذي نصّب نفسه ممثلاً ومتحدثاً باسم المعارضة السورية بتدبير واستتباع وتحريك مباشر من الدول الغربية التي كانت تستهدف سوريا وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. تلك المعارضة التي لم يكن لها أي تمثيل شعبي حقيقي والتي اختلفت منذ البدايات مع ما يسمى الجيش السوري الحر وانقسمت على نفسها مرات عدة، بقيت تدير "ثورتها" من قاعات فنادق النجوم الخمس، تطالب بما يطلبه السيد الامريكي، وتنصب نفسها ناطقاً رسمياً باسم سفارات الغرب والعرب وتُكدس الملايين باسم الثورة وباسم الوطنية والوطن الذي كان يذبح ويمزق على مرأى ومسمع وموافقة تلك المعارضة.

صمدت سوريا، وامتصت الهجمة، ثم انتقلت من الدفاع الى الهجوم فما كان من خصوم سوريا إلّا الإسراع في مرحلة "جني الأرباح" تداركاً لانقلاب الموازين الميدانية فكانت الدعوى الى جنيف واحد. في جنيف واحد كان خيار الدولة السورية هو الاستماع للخصوم والحفاظ على الثوابت وعلى سيادة القرار السوري، فجاءت موافقة الحكومة السورية بالمشاركة في المؤتمر من هذا المنطلق، ورسم "معلّم" الدبلوماسية السورية، وليد المعلم، خارطة الطريق لإنهاء الأزمة عبر حوار سوري داخلي بين المعارضة الحقيقية وبين الدولة، بينما طرحت المعارضة تسوية تتضمن خطة انتقال زمني للسلطة وتأسيس هيئة حكم انتقالي ضمن حكومة جامعة للموالاة والمعارضة وإيصال المساعدات الإنسانية. وافقت الحكومة السورية على مبادئ الحل على قاعدة أنّ تطبيق كل تلك المبادئ يجب أن يتم في سوريا ومع المعارضة السورية الداخلية.

في جنيف 2 كان الوضع مختلفاً، فالواقع الميداني من جهة والضغط الروسي والصيني من جهة أخرى شكّلا حاجزاً منيعاً في وجه أية رغبة في إسقاط الاسد، فما كان من الولايات المتحدة إلّا أن تعيد سيناريو العراق والأسلحة الكيماوية في محاولةٍ لإحراج النظام وإيجاد مبررات للتدخل الأممي في سوريا، فكان القرار الأممي رقم 2118 والقاضي بنزع ترسانة السلاح الكيماوي، إلّا أنّ الرئيس الاسد سحب ذريعة الأسلحة الكيميائية وأفشل المخطط عبر موافقته على تفكيك المنظومة الكيميائية، فحقق انتصاراً في وجه أعدائه وسحب فتيل التصعيد، فكان السقوط الثالث للمؤامرة والذي أطاح بدور الإبراهيمي وبكل مساعي الوساطات التي لم تحقق للغرب أي من أهدافه باستثناء الإمعان في تدمير سوريا حجرًا وبشرًا.

تزامناً، اختلطت الأوراق مجدداً بعد استعمال ورقة داعش، وقد كانت تلك المحاولة الاخيرة للولايات المتحدة، إلّا أنّ تداعيات استعمال هذا "الوحش" كانت أخطر بكثير من استعمال الجيش الحر وغيره من الجماعات الإرهابية المسلّحة، فالنار التي أشعلتها أميركا في العراق سوف تمتد لتحرق الأخضر واليابس ليس في العراق وسوريا فقط إنّما في كل المنطقة والعالم، وبمعزل عن المكاسب التي تحققها الولايات المتحدة من استعمال ورقة داعش، فإنّ خطر الحالة الداعشية فرض منحىً جديداً في مقاربة المواجهة مع سوريا، وبات النظام في سوريا في موقف أقوى، ببساطة لأنه أصبح وبنظر العالم أجمع يواجه الإرهاب ويحاربه ولا يواجه مجموعات معارضة تريد إسقاط النظام.

الصورة باتت أوضح الآن، أميركا تُقلّم أظافر داعش دون قطع يدها لكي تبتز العرب وتسحب ملياراتهم، مسارات التفاوض برعاية غربية فشلت، النظام أكثر قوةً وتماسكاً، المنطقة في طور تشكل سياسي جديد متزامن مع اكبر مفاوضات العصر (الملف النووي الايراني)، الربيع العربي فشل وسقطت أدواته الاخوانية وغير الاخوانية، وروسيا تخوض معركة تثبيت التعددية القطبية من بوابتي الحديد والنار في اوكرانيا والدبلوماسية المتعاظمة والمتمثلة بتفعيل حضورها في كل الساحات.

ومن هنا، بدأت الدبلوماسية الروسية خوض معركة تدجين المعارضة ومساعدتها على النزول من الشجرة، والملفت في الأمر هو الدور المصري الذي بدأ يعيد الى أذهاننا مرحلة التناغم الروسي المصري في ستينات القرن الماضي وحقبة الصراع العربي الاسرائيلي. ها هي روسيا ومصر اليوم تستعيدان الدور الفاعل في إدارة ملفات المنطقة من البوابة السورية، وفي ذلك فرصة تاريخية كبرى لكسب معركة اعادة التوازن الى العالم من بوابته الشرق أوسطية التي كانت وما زالت تشكل محور الصراع الكوني وأساس التوازن في العالم.

روسيا تحاول جمع المعارضة وتوحيد صفوفها، وتعمل على تنقيتها من الشوائب التي افشلت المفاوضات في الجولات السابقة، ومصر تلاقيها في منتصف الطريق عبر استضافة بعض رموزها امثال حسن عبد العظيم الذي اتفق مع وزير الخارجية المصري سامح شكري على التحضير لمؤتمر يضم كافة الفصائل المعارضة التي تؤمن بحل سلمي في سورية ومن ثم انتخاب هيئة جامعة للمعارضات لإدارة التفاوض.

إنّ تأليف معارضة سورية غير مرتهنة بالحد الأدنى للغرب ومباركة من أوروبا كما جاء على لسان وزيرة خارجية الاتحاد الاروبي كاثرين اشتون، ستعزز فرص الحل السلمي في سوريا ضمن الثوابت التي تريدها دمشق مما يحقق لها خروجاً من الازمة وانتصاراً كبيراً، وستعيد الدور لروسيا ومصر كرائدان في المنطقة كما كانا قبل انهيار الاتحاد السوفياتي ودخول الامريكيين الى الخليج.

إنه امتحانٌ صعبٌ ودقيق لكل من مصر وروسيا، فإن نجحتا في مسعاهما لترويض المعارضة وتأطيرها في إطار وطني سوري خالص، يمكننا القول حينئذ، إنّ المعارضة السورية أصبحت "عيونها خُضر".