عطاء مشروط.. بقلم: هنادة الحصري

عطاء مشروط.. بقلم: هنادة الحصري

تحليل وآراء

الاثنين، ٢٢ ديسمبر ٢٠١٤

يقال إنّ العطاء يهب السعادة إذا كان صاحبه لا يرجو رده كمقابل ولكن أن يكون العطاء مخصصاً لأناس دون غيرهم.. أليس في هذا حكم ازدواجية وتأكيد على عطاء مشروط يتبع لإيديولوجية صاحبه.
من يرصد يوميات بيل كلينتون ما بعد الرئاسة وقد اتجه بقوة نحو الانخراط في المشروعات الخدماتية العامة ومتابعة ما يشغل البشرية من قضايا ملحة، والعمل على التبرع وتشجيعه، كل هذا بهدف تذليل العقبات المنتصبة في وجه السعادة والاستقرار ومن حرص على الصحة وعلى الحياة وعلى الطاقة وحتى على المناخ العالمي الذي بدأ يعبث به ثقب الأوزون.
ترى هل "بيل كلينتون" المنخرط حتى أخمص قدميه الآن في المشروعات الخيرية الإنسانية والدعوات الملحة لدعمها والمساهمة فيها هو نفسه بيل متربعاً على عرش أميركا؟!
في كتابه الجديد "بالعطاء لكل منا أن يغيرّ العالم" يبدأ كلينتون بتوضيح مساره بعد مغادرته البيت الأبيض، حيث عمل على تكريس وقته وماله وخبرته وما تبقى من حياته في تغيير ما يمكن تغييره لإنقاذ حياة الناس ومعالجة القضايا الكبرى لقناعته بأنه يرّد الجميل للشعب الأميركي الذي منحه دعمه وأصواته، وجعله رئيساً لأعظم دولة في العالم، فهو بحكم عمله السياسي كان الآخذ دوماً ولهذا فهو يريد أن يعادل الموازين ويبذل المستطاع للحؤول دون موت من هم أصغر منه سناً..
لم تكن فكرة العطاء جديدة على كلينتون كما يقول، إذ إنّه كالعديد من أبناء جيله تعلم أمثولة العطاء في يفاعته حيث كان يتابع إرسال جزء من مصروفه إلى (إكليروسه) وخلال سنينه الجامعية كرس وقته لمشروع اجتماعي قادته جامعة (جورج تاون) وبعد أن عاد إلى مسقط رأسه "أركنساس" لتعلم القانون قام ببعض الخدمات القانونية المجانية، وعندما خدم كمحافظ حاول وضع عشر مدخوله من أجل العطاء لكنيسته ولمدرسته الأم بعدما انشغل بالعمل السياسي عند لقائه بـ "هيلاري كلينتون" في كلية القانون إذ كانت تشارك في مشروع محلي يؤمن الخدمات القانونية للفقراء. وعند انضمامها إليه في أركنساس مارست وظيفة التعليم في كلية القانون وتولت إدارة عيادة المساعدة القانونية ومشروع السجون وعندما انتقل كلينتون إلى "لتيل روك" حيث كان مدعياً عاماً ومحافظاً، شاركت هيلاري في تأسيس جمعية "مناصري الأطفال والعائلات" في أركنساس وخدمت في مشفى "أطفالنا وعائلاتنا" وعملت في مجال العناية بوضع المرأة في وظيفتها رغم عملها كمحامية ومارست نشاطات عديدة في الكنيسة المحلية، وبهذا كانت النموذج الأولي لكلينتون، إذ جسدت له معنى العطاء وانعكاسه على سعادة الفرد.. فما هذه الازدواجية؟!..
والآن وقد تبدلت الأدوار، إذ أصبح كلينتون يقوم بالأعمال الخيرية محدثاً تغييراً إنسانياً عالياً وخاصة في مجال رعاية الأطفال من خلال منظمة (أمل جديد للأطفال الكمبوديين) الذين يحملون فيروس عوز المناعة البشرية. يخلص كلينتون إلى توضيح فكرة كتابه هذا يشجع الإنسانية على العطاء من مختلف الأعمار سواء على الصعيد الفردي أم على صعيد الشراكة ويستشهد بقول لمارتن لوزكينغ: "كل شخص قادر على أن يكون عظيماً ما دام قادراً على أن يخدم".
ويتابع أنّه وانطلاقاً من مفهوم التكافل فإنّه من الطبيعي أن تتعاون الإنسانية جميعها في مواجهة مشكلاتها المشتركة مثل التقلبات الكارثية التي قد يستتبعها تغير المناخ وانتشار الأمراض وكثير من الأمراض المعدية المرتبطة بتلوث المياه فكان أن تم توفير التشخيص والعناية والعلاج وتوفير دواء لـ 750 ألف شخص في الباهاماس، وهاييتي، وزانزيبار، وكمبوديا. ويصل كلينتون إلى أنّ العطاء لا يقتصر على توفير السيولة المادية فهناك أغراض يتمنى الجميع تقديمها إلى أناس يحتاجونها من مؤن طبية ومعدات ومنتجات صيدلانية وكتب وألعاب ومعدات رياضية وماكينات خياطة وأدوات زراعية وأزياء مدرسية، وينوه كلينتون هنا إلى أنّه كان يقوم بجرد ملابسه وأزيائه الرياضية فيرسلها إلى محبي رياضة الغولف.
كتاب جميل ممتع ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ترى لماذا لم تقدم مؤسسة بيل كلينتون: المعونة الطبية لأطفال الشرق الأوسط واقتصرت على أطفال كمبوديا وتاهيتي و.... الخ؟
ولماذا تبدلت حياة كلينتون أحقاً لرد الجميل للشعب الأميركي أم لإحساسه فعلاً بأنّ العطاء يهب السعادة وبالعطاء له أن يغير العالم بعد أن أنهكته المنظومة الفكرية الأميركية أثناء حكمه؟!...