الماضي بوابة المستقبل.. بقلم: سامر يحيى

الماضي بوابة المستقبل.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ ديسمبر ٢٠١٤

الماضي ليس إلا حاضراً كان وانتهى، ولا يمكن له أن يعود، وما دامت عقارب الساعة تتحرّك فكل ثانية تمرّ تصبح ماضياً وتدل على أنّ عجلة الحياة تدور ولا تتوقّف، تمضي من دون استئذان، فهل سنبقى ننتظر وننظّر، أم سنعمل ونجدّ ونجتهد للاستفادة من هذا الماضي الحاضر للوصول للمستقبل المزدهر، الذي سيصبح ماضياً وقد يكون ذكرى لأولادنا من بعدنا، نعم أهم عبرة نأخذها من هذا الحاضر المستقبل الماضي، هو الاستفادة من كلّ لحظة نمرّ بها، ونرتقي بتفكيرنا وأفكارنا ونقدنا لما يستحق هذا الوطن منا، سواءً كنا مواطنين عاديين أم مسؤولين أم أصحاب قرار...
فما أكثر القرارات التي تصدر ذات إطار إيجابي وبنّاء بل وشكل رائع وجذاب، لكن تبتعد عن دراستها على أرض الواقع، والاستفادة من أخطاء وسلبيات الماضي، وتخرج بناءً على نقاش شخص أو عدّة أشخاص ارتأوا الموضوع إيجابياً وخرجوا بصيغة إيجابية لكنّ بالتنفيذ على أرض الواقع سوف تثبت فشلها، وبالتأكيد أقصد هنا آلية اختيار المدير العام ومعاون الوزير، وغيرها الكثير من القرارات التي تتطلّب دراسةً جديةً مستفيدة من الماضي لكي تستطيع بناء المستقبل، فمن دون شكّ لا نحتاج التدقيق في الماضي إلا بهدف الاستفادة منه، ولا حاجة للتركيز بلحظة مضت ومدحها أو ذمّها إن لم نستفد منها، ونتجنب سلبياتها ونطوّر إيجابياتها، وكم يساعدنا هذا عندما نضع خطط المستقبل المبنية على الماضي وفق إمكانيات الحاضر وظروفه وتطورّاته..
نعم الماضي ليس عبارة عن شيء مضى وانتهى، أو شيء يجب أن نبقى معلّقين به، فكل فجرٍ جديد يأتي بشكلٍ مختلف، سواء بمطرٍ أو غيم، أو حَرٍّ شديد أو أقل حرارةً أو أكثر حرارةً، فحتى الشمس تبشّر بفجرٍ جديد، مختلف عن غيره، ويومٍ يجب أن يختلف عن غيره بكافة تفاصيله ولو باختلاف بسيط لا نشعر به كثيراً، وحتى الروتين دائماً متجدّد لأنّه يتغيّر شيئاً من تفاصيل البيئة التي تحيط به، نعم هذه كلّها يجب أن تساهم بأن نستفيد من الماضي لا أن نجعله عبئاً أو نتناساه ... بل يكون عبرةً وقوةً للانطلاق نحو المستقبل.
لا نلوم الآخر، ولا الظرف ولا الزمن بل يبدأ كلٌّ منا بنفسه لتغيير هذا الظرف والزمن بما يتناسب مع الإمكانيات، ولأكن أنا أول من يبدأ، فلا نتحدى الواقع، ولا نميل له رؤوسنا، بل نتعامل بواقعية وحيوية للوصول إلى الهدف المنشود وهو النهوض بالشخص ضمن إطار النهوض بالمجتمع، فبالتأكيد عندما تفكر بشكلٍ إيجابي بمصلحتك الشخصية، ستأخذ بالاعتبار مصلحة الآخرين، وسينتقل لتكون مصلحة الوطن هي الأهم لديك.. فمصلحة كلّ منا في مصلحة وطنه، والعكس صحيح..
دائماً نهتم بموضوع ونتناوله في صفحات الفيسبوك لفترةٍ معيّنة، وفي أحيانٍ كثيرة نصبّ السم في الدسم، ونفرغ الكثير من المضمون الإيجابي ونبقي على السلبيات، ونساعد العدو بشكلٍ مقصودٍ أو غير مقصود في تحقيق أهدافه، وإحباط الهمم ومساعدة الانتهازي والفاسد على الاستمرار بفساده، بل وتقديم الصيغة المناسبة ومساعدته على تبرير تصرّفاته،.. متجاهلين أنّ علينا العمل الدؤوب للوصول للمعلومة الصحيحة، مستفيدين من هذا الماضي..
رغم الأحداث في سورية، لدينا الكثير من الإنجازات، وعلى كافّة المستويات، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع تلك الإنجازات، وهل هي مجرّد تحصيل حاصل، أو أنّه تطور طبيعي في ظل هذه الظروف، وأنّه كان بالإمكان أن يكون أفضل بكثيرٍ مما كان، ولا أبرّر لأحد تقصيره، أياً كان هذا التقصير، وأياً كان سببه، فلدينا مئات الاحتمالات للوصول للحقيقة، ولكن بإمكاننا النظر إليها من منظور آخر وهو أنّه بالرغم من الحصار الدولي، ووجود بعض الانتهازيين والشخصيات التي تسعى لمصلحتها على حساب الوطن، والضغوطات من كلّ حدبٍ وصوب، مازالت سورية قادرة على العطاء والشعب العربي السوري قادر على الصمود والاستمرار. علينا التوقّف عن تناول الموضوع مدحاً بالمطلق أو ذماً بالمطلق، علينا البحث عن الإيجابيات لتعظيمها، والسلبيات لتبديدها وتحويلها لإيجابيات أو إبعادها، فكلاهما خطأ قاتل، ويجعلنا نتراجع، لأنّه لا يوجد مراوحة في المكان، فالمراوحة في المكان تعني التراجع، ومجرّد عدم تناولنا الدواء رغم معرفتنا له وتوصيفه وهو موجود بين أيدينا تحت حجج كثيرة، يمثّل تراجعاً كبيراً، وخطراً على مستقبلنا الذي هو حاضر أولادنا ....
كم من سوري استطاع الوصول لشهادات علمية عليا، وكم من رسائل دكتوراه وماجستير وأفكار تطرح هنا وهناك، لم نسلّط الضوء عليها، إلا بشكلٍ سريع، نحن بحاجة لكي نعيد تداولها ونقاشها عبر وسائل الإعلام بكافّة أشكالها وأنواعها بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، لتنعكس إيجاباً ونكون بذلك أثبتنا أننا استطعنا الانتقال من مرحلة التنظير ورمي المسؤولية على الآخر، للبدء كلّ منا بنفسه من مكانته وبأسلوبه بما يفيد المجتمع ويساهم بإيجاد أفكارٍ جديدة، وإبداعات أكثر قابلية للتحقيق على أرض الواقع، ولأجبرنا المسؤول على تطبيق ما توصلنا إليه وقطع الطريق على تجّار الأزمات ومنتهزي الفرص.
نحن نحتاج للتفكير الجدي للبدء بالاستفادة من كل لحظة، وعدم الاستسلام للماضي ولومه، بل العمل على النهوض باتجاه المستقبل المزدهر انطلاقاً من الواقع المعاش والأمنيات التي يطمح إليها كلٌّ منا. ولاسيّما العاملين في القطّاع الحكومي الاستفادة من كل لحظة مرت لاسيما السنوات الأخيرة، التي يمكننا رغم قسوتها الاستفادة من دروس وعبرٍ كثيرة حصلت خلالها تساعدنا على الوقوف والنهوض بشكلٍ أسرع، وأكثر فائدة ونجاعة لصالح مجتمعنا وتقدّمه.. وخاصّة أنّها فترة غنية بأحداث غير متوقّعة، ومواقف لم نكن نتوقعها من أشخاص ودولٍ كنّا نظنهم معنا في السراء والضراء، بل وقدّمنا لهم الكثير في أوقات محنهم، عدا عن تشابكات وتعقيدات الحرب الإعلامية والنفسية والمادية والعسكرية التي تشن عليها، إنّها فترة كافية كي تعطينا درساً لنبدأ بالنهوض من الآن من هذه اللحظة، واستبدال عبارة "لو قام فلان بكذا لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن" بعبارة "لنبدأ الآن بالعمل الجاد وتحمّل المسؤولية كي نتفادى سلبيات ما مضى، والاستعداد لما هو آت".
سوريتنا التي تعطي الدروس دوماً، كم تحتاج منا أن نفكر جلياً بها للوصول للرؤية الواضحة وسدّ كلّ الثغرات التي يحاول العدو التسلّل من خلالها لاستمرار تدميرنا واستنزاف ثرواتنا بكافة أشكالها وأنواعها..