المراوغة في الاقتصاد لا تنفع.. بقلم: إيفلين المصطفى

المراوغة في الاقتصاد لا تنفع.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ ديسمبر ٢٠١٤

Evlism86@gmail.com
يدرك المهتمون بالشأن السياسي أنّ الحديث السياسي بالإمكان المراوغة فيه بمكان ما، في حال كان الدافع تحقيق غايات وأهداف عبر الحوار السياسي وتسريب ما يمكن الاستفادة منه لصالح جهة على حساب أخرى، وبالإمكان أيضاً إخفاء ما يمكن إخفاؤه من معلومات سياسية لكسب نقاط قوة ترسم نظاماً عالمياً جديداً.
جميع تلك الافتراضات التي ذكرناها من الممكن إيجادها في الشأن السياسي لكن لا يمكن اتباع ذات النهج في الشأن الاقتصادي فلا يمكن لأي مقامر مهما كان احترافياً الاستمرار بالادعاء أنّه يمتلك الكثير من المال في وقت ليس لديه من المال إلا القليل وبالتالي فإنّ الإدعاء ليس سوى مراوغة ومضيعة للوقت.
ومع تطور المشهد السياسي نجد أنّ أسلحة الاقتصاد بدأت تنعكس آثارها على تطورات الأحداث السياسية ولا يمكن لأحد إقصاء أو تغييب تأثير عصب الحياة "الاقتصاد" على اللعبة السياسية العالمية، ولعل السلاح الأكثر تأثيراً هو النفط الرخيص الذي زاد في إشعال الاضطرابات الاقتصادية للدول النفطية التي تعتمد في اقتصاداتها على تصدير النفط، في حين نجد أنّ انهيار سعر النفط كان بمثابة نعمة على الدول المستوردة للنفط.
من بين الدول التي كانت ضحية انهيار سعر النفط روسيا والتي بدأ اقتصادها يعاني من عاصفة اقتصادية مثالية، بكونها تعد واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط والغاز الطبيعي، حيث تضم أكبر خمس شركات للطاقة والتي توظف قرابة مليون عامل كما أنّ قيمة صادراتها بلغت حوالي 350 مليار دولار تم توريدها عبر أنابيب إلى أوروبا وآسيا العام الماضي كما يشكل النفط والغاز نسبة 75% من إجمالي صادراتها ونصف إيرادات ميزانيتها، وبالتالي كلما انخفضت أسعار النفط فإنّه يتسبب بخسارة لروسيا.
على المقلب الآخر فإنّ الجروح التي يفتعلها الشخص بنفسه تكون مؤلمة بشكل كبير وهذا بالضبط ما حدث لروسيا اقتصادياً حيث ساهمت أزمة أوكرانيا بفرض عقوبات أميركية وأوروبية على اقتصاد روسيا وبدأت تشتد هذه العقوبات منذ فرضها في شهر تموز، قواعد العقوبات منعت روسيا من الوصول إلى أسواق الدين الأميركية وأيضاً منعت الشركات الأميركية من بيع القطع أو تقديم المشورة لشركات الطاقة الروسية كذلك تم منع شركات النفط الغربية من مساعدة روسيا لتطوير حقول النفط والغاز. ورداً على ذلك قامت موسكو بفرض رسوم جمركية على البضائع القادمة من الغرب ما دفع بالأسعار للارتفاع محلياً بشكل كبير.
في الوقت ذاته بدأت العملة الروسية تتحرك بسرعة بالتوازي مع تحرك أسعار النفط حيث انخفض الروبل الروسي مقابل الدولار بنسبة كبيرة بعد أن انخفضت قيمته سابقاً نتيجة الضغوط الجيوسياسية، ولا يمكن إنكار تأثير العقوبات الغربية المفروضة على روسيا جراء الأزمة الأوكرانية، إضافة لسياستها في المنطقة جميع تلك الأسباب دفعت بالاقتصاد الروسي للاضطراب وبدا الأمر واضحاً في انخفاض العملة الروسية التي فقدت 50% من قيمتها أمام الدولار في أقل من سنة في حين لو قارنا العملة السورية لوجدنا أنّها خسرت 50% من قيمتها بعد مرور سنة على أزمتها إذ وصل الدولار إلى 95 بتاريخ 7 آذار 2012، علماً أنّ عمق الأزمة السورية أكبر.
إضافة لذلك تعاني روسيا من كونها تعد من الدول الناشئة التي لديها مشكلات بارتفاع نسبة التضخم والتي يقدر أن تصل إلى 10 %، كذلك فإنّ كلاً من الدول الخمس الهشة تعاني من عجز مزدوج وهو نقص بالميزانية ما يعني تراكم الديون وتصبح مضطرة لسد فجوات الحساب الجاري عبر الاعتماد على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، ومع انخفاض العملة المحلية لروسية فإنّ استمرار انخفاضه سيؤدي لهروب الأموال خارج البلاد مما يضعف العملة بشكل أكبر.
ربما هناك ما هو أسوأ مستقبلاً، حيث من المتوقع أنّ الانخفاض في أسعار السلع مستمر، وفي الوقت نفسه فإنّ المطلوب هو تقليص التضخم وكبح انزلاق العملات من خلال المصرف المركزي وإجراءاته برفع سعر الفائدة أما القاعدة لكبح عجز الموازنة عند 1% من الناتج المحلي الإجمالي ربما تتطلب سياسة تقشفية مالية.
هذه التدابير ربما تكون مؤذية حيث إنّ المصارف ستثبت أنّها ضعيفة في حال خفض الإنفاق الحكومي في الدخل ورفع أسعار الفائدة سيجعل خدمة منح القروض صعبة. ويبدو أنّ الأمر سيكون سيئاً بشكل كبير وخاصة أنّ القروض المتعثرة ترتفع نسبتها كما أنّ المدخرين يستنزفون الروبل الموجود في المصارف، حتى إنّ أسواق السندات يمكن أن تكون نقطة اشتعال أخرى ورغم أنّ روسيا فقدت 100 مليار العام الماضي إلا أنّ لديها الآن ما يقارب 370 مليار دولار لكن حجم ديونها بالدولار كبير وأصبح من الصعب أن تنقذ عملتها من الانخفاض وخاصة أنّها ستواجه مدفوعات بقيمة 90 مليار دولار خلال الأشهر القادمة.
جميع ما ذكرناه عن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها روسيا مازال يدفع بالمراوغين للقول بأنّ الاقتصاد الروسي لم يتأثر ومازال محافظاً على نموه الاقتصادي وما يذكر في نشرات الأخبار حول انخفاض سعر العملة ليس أكثر من كونه إشاعات مغرضة، وبالتالي فإنّ الحديث عن الاقتصاد الروسي بكونه يتصدر الأخبار الاقتصادية يفترض عدم تغييبه أو إخفائه والاستفادة من الإجراءات التي ستتخذها لتجاوز أزمتها الاقتصادية سواء سلباً أم إيجاباً.