رؤيـة استعمارية بامتياز.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

رؤيـة استعمارية بامتياز.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ ديسمبر ٢٠١٤

إثر زيارة قام بها الرحالة الفرنسي الشهير فولني إلى كل من سورية ومصر في عام 1785 أصدر كراساً ضمّنه انطباعاته التي خرج بها من هذه الجولة، وكان أهم ما ذكره هو الآتي: "إنّ الاستيلاء على مصر أولاً وسورية ثانياً، يجب أن يكون محور السياسة التي تريد السيطرة على عموم الشرق الأوسط".
ويذكر أنّ هذه الرؤية الاستعمارية، قد وجدت طريقها إلى التطبيق بعد قيام الثورة الفرنسية في عام 1789 على يد نابليون بونابرت في أواخر القرن الثامن عشر، وبقيت تفعل فعلها على أرض سورية تحديداً حتى خروج آخر جندي فرنسي منها في عام 1946.
بمثل هذه الرؤية طالما جرى "تثقيف" أعداء سورية وفي مقدمهم فرنسا، بعد اندثار الاحتلال العثماني، بغية جعل بلادنا هدفاً يحقق البعد الاستراتيجي للمستعمر أياً كان لونه، وذلك بوصفها معبراً للسيطرة على "عموم الشرق الأوسط" كما جاء في كلام الرحالة فولني.
إنّ هذا الرحالة لم يكن فريد عصره في أواخر القرن الثامن عشر ولا قبل أو بعد القرن المذكور، لأنّ سورية بقيت تشكل الهاجس الدائم للطامعين في امتلاكها باعتبارها بلداً يمهد سبيل الوصول إلى ما وراء "الشرق الأوسط" إلى "الشرق الأقصى". وهذا ما أدى إلى جعل شعوب منطقتنا تعاني الكثير من تبعات العدوان عليها، أفراداً وجماعات، بين وقت وآخر. ومن هنا القول بأنّ الغرب، بكبار مفكريه من فئة العلماء أو الأدباء أو الرحالة وسواهم لم يكونوا يوماً رسل سلام ونشر معرفة بمقدار ما كانوا رسل حرب واعتداء على المناطق التي حاولوا سرقة ثرواتها، ما كان منها على سطح الأرض أو تحتها. وبالتالي دائماً كانت شعوب هذه المناطق تدفع الثمن غالياً.
وفي كتب التاريخ ومراجعه العديد من الأمثلة التي تتحدث عن رحالة أجانب جابوا منطقة الشرق الأوسط وخرجوا بمثل الانطباع الذي خرج به الرحالة فولني وخلاصتها وجوب وضع اليد على منطقة الشرق الأوسط وإن يكن على حساب تدمير ما بناه أبناؤها على امتداد القرون الطويلة، وسرقة ما يمكن سرقته من ثرواتها وأوابدها الحضارية التاريخية، كما هو حال بلدنا في الوقت الراهن أمام الحرب الهمجية التي تشن عليها من جانب البعض من العرب والأجانب. ومن هنا كان وسيبقى تصميم بلدنا على هزم الغزاة أياً كانت الأرض التي غادروها بدافع الحقد على بلد كان إلى ما قبل أربع سنوات المثل الذي يحتذى، على الأصعدة كافة وتحديداً على صعيد الأمن والأمان وتوفير مرافق العمل والارتقاء.
إنّ فولني لم يكن الوحيد الذي أوحى لبونابرت أن يغامر باحتلال سورية أو مصر في أواخر القرن الثامن عشر، بل كان المثال الذي قدّرت أن يكون مفيداً لأبناء الجيل كي يعلموا لماذا بلدنا يعاني ما يعانيه منذ شهر آذار من العام 2011 حتى تاريخ اليوم.
iskandarlouka@yahoo.com