«طبخة العالم الجديد»‏.. بقلم: أحمد ضوا

«طبخة العالم الجديد»‏.. بقلم: أحمد ضوا

تحليل وآراء

السبت، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٤

فشلت كل التحولات الاقتصادية في العالم -خاصة في بلاد ما كان يعرف اصطلاحا بالمعسكر الشرقي- في تغيير ثوابت الولايات المتحدة وفي التعامل مع الدول والقوى والتجمعات الدولية الأخرى،‏
فالخيارات تراوح بين أن تكون هذه الأطراف تابعة للولايات المتحدة كما هو حال الدول الأوروبية ومن في صنفها، أو أجيرة لها، وتعد دول الخليج بقيادة آل سعود المثال الناصع لهذا الخيار.‏‏
الصدام بين «الشرق العاطفي والغرب المتوحش» ليس وليد القرنين الماضيين، وإنما هو قائم منذ قرون طويلة، ومرتكزه يقوم على عجز الغرب المتوحش عن الاستمرار «دون عدو»، ولذلك كلما خسروا عدوا يكون بديله جاهزا، والتحول الحاد في المواقف الأميركية والغربية التابعة تجاه روسيا والصين يستمد جوهره من هذه الفكرة الشيطانية آنفة الذكر.‏‏
بالأمس، وخلال المؤتمر الصحفي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ما زالت بلاده تعتبر الدول الغربية شريكة في المصالح وصناعة المستقبل، كانت الولايات المتحدة والدول الغربية التابعة لها تحضر لحزمة عقوبات جديدة ضد روسيا الاتحادية، وترفق شرط إزالة هذه العقوبات بتغيير روسيا مواقفها تجاه عدد من الملفات الدولية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالمصالح الحيوية للشعب الروسي.‏‏
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان صريحا في مواقفه، وتجنب في رده على أسئلة وسائل إعلام الغرب استخدام اللغة الاستفزازية إلا أن جوقة الطرف الآخر فعلت العكس تماما، الأمر الذي يؤكد تصميمها على العودة إلى الصدام الواسع مع روسيا وحلفائها القادرين على مواجهة الدول الغربية اقتصاديا وعسكريا.‏‏
في منطقتنا ومحيطها الإقليمي، باستثناء سورية وإيران والجزائر والهند، ليس هناك دول بالمعنى الحقيقي، أي دول ذات سيادة وقرار مستقل وإنما القليل جدا تابع للسياسة الأميركية والكثير منها مجرد دول «أجيرة» ينتظر حكامها التعليمات الأميركية من السفارات بشكل يومي، وهو ما يعزز موقف الغرب الشيطاني في مواجهة القوى الأخرى الساعية لتعزيز مقومات السلام والاستقرار في العالم.‏‏
المثال الساخن على ذلك هذا الشهر هو موضوع أسعار النفط... فالسعودية المرتهنة للسياستين الأميركية والصهيونية انصاعت للأوامر الأميركية ورفضت خفض إنتاجها من النفط للإضرار بالدول النفطية مثل روسيا وإيران، على الرغم مما يرتبه هذا القرار من خسائر باهظة جدا على قطاع النفط السعودي.‏‏
والمثال المتفاعل حتى الآن هو استمرار «أجراء» أميركا بتمرير الإرهابيين إلى سورية ومدهم بالمال والسلاح، لأنها رفضت الانصياع للسياسة الأميركية والتحول من دولة ذات سيادة إلى عكس ذلك تماما.‏‏
إن عملية تحويل مسار العلاقات الدولية وكسر الهيمنة الأميركية على القرار الدولي بدأت من سورية وتفاعلت في معظم أنحاء العالم، ونوقشت في مراكز أبحاث مهمة على الساحة الأميركية، ولولا الصمود الأسطوري للجيش العربي السوري لهدمت أسوار جديدة وفتحت جبهات أخرى.‏‏
إن ملامح نضوج «طبخة العالم الجديد» من رحم الأزمة السورية بادية في أكثر من مكان، وكل من لا يرى في الأفق تبلور عوامل انكسار الغرب سيدفع الثمن في المستقبل القريب مرتين، الأولى باستمراره بلعب دور الأجير والذليل، والثانية عندما يبحث عن أميركا كحامية لعرشه ولا يجدها.‏‏