مـحـاربة الإرهـاب.. وخـــنـادق داعـــش

مـحـاربة الإرهـاب.. وخـــنـادق داعـــش

تحليل وآراء

الجمعة، ١٩ ديسمبر ٢٠١٤

يوحي الحراك السياسي والدبلوماسي على الساحتين الإقليمية والدولية بأن ثمة إجماعاً على إيجاد حل للأزمة السورية، إلّا أن بعض الأطراف، وعلى وجه الخصوص المشاركة في الحرب على سورية، ممثلة بأمريكا وحلفائها وأدواتها في المنطقة، تريد حلاً يفصّل على مقاس مصالح بعضها، وأحلاماً  أخرى باستعادة أمجاد سلطنة أفلت، وخوفاً ثالثاً من خروج سورية منتصرة وبدء العد التنازلي لسقوط عروش أكل الدهر عليها وشرب، فيما يسعى أصدقاء الشعب السوري الحقيقيون على تحضير الأجواء لإيجاد مخارج يكون للشعب السوري وحده حرية تقرير مصيره عبر الحوار، ويكون دور الخارج فيها عاملاً مساعداً في الوصول إلى حل يلبي تطلعات كل أطياف الشعب بالانتقال نحو ربيع حقيقي يكون أنموذجاً يُحتذى في المنطقة كلها.
تناقضات وتداخلات تجري على قاعدة تباين المواقف والاستراتيجيات وسعي دول عربية الاسم، صهيونية الهوى والموقف، لاستمرار الحرب على الأرض السورية دون اكتراث بحياة شعبها وما بنوه على مدار عقود من الزمن، وذلك ما عبّر عنه بندر بن سلطان بالقول: “سنسقط “النظام” ولو كان ثمن ذلك  تدمير سورية”، ولأن أمريكا وربيبتها إسرائيل وجدتا في هذا خدمة مجانية كانتا تحلمان بها منذ أمد بعيد، وفق معادلة كلما ألحق الأذى بسورية أكثر ارتاحت إسرائيل، وهي تتفرج وتكتفي بتقديم الدعم اللوجستي للتنظيمات التكفيرية، ويدفع فاتورة الأسلحة والذخائر ممالك ومشيخات البترودولار، وتزيد في الآن ذاته الفرقة والفتن بين أبناء الأمة.
وفي القراءة الأكثر قرباً لتفاصيل المشهد نجد ضربات التحالف البهلوانية ضد تنظيم داعش الإرهابي جعجعة بلا طحين، فرغم تأكيدات أوباما بـ”نسف” التنظيم، فإن واقع الحال يقول عكس ذلك، فهو يثبّت مواقعه في العراق ويبني تحصيناته على مرأى ومسمع قوات التحالف، آخرها بدؤه بحفر خندق حول مدينة الموصل، فيما المروحيات تنقل له الأسلحة من دول عربية وإقليمية أو تسقط عن طريق “الخطأ” من الطائرات الأمريكية، حسب تقارير غربية.
ومن هنا يمكننا تفسير تصريحات الدبلوماسية الأمريكية بأن الحرب على داعش تحتاج لعقود ثلاثة من الزمن يمكن خلالها رشف آخر بئر نفط في الخليج ثمناً لهذه الحرب التي تحمل ماركة مسجلة باسم “صنع في أمريكا وإسرائيل”.
وسط هذه الأجواء نجد الاتحاد الأوروبي عاجزاً عن اتخاذ موقف واضح من مجمل ما يجري، فهو لا يريد أن يغضب أمريكا، وفي الوقت عينه يسعى لتطويق الإرهاب قبل أن يضرب بقوة دول القارة، وبالتالي فإن ما يصدر عنه من مواقف يكتنفها الكثير من الغموض والتناقض، فهو على سبيل المثال لا الحصر يزعم أنه يدعم مبادرة دي ميستورا، ولكنه يرفض التعاون مع الدولة السورية. يريد القضاء على داعش ولا يزال حتى اللحظة يشتري النفط الذي يسرقه التنظيم الإرهابي من سورية والعراق بأثمان بخسة.
إن ما آلت إليه الأمور من فوضى وإرهاب في المنطقة لن تتوقف حدوده عندها وسيتمدد إلى مناطق بعيدة، بدأت بوادره في بلجيكا وفرنسا وبريطانيا وأستراليا، ولا يكاد يمر يوم إلّا ويعلن عن أعمال إرهابية في بلد حول العالم، وبنفس الأساليب التي يستخدمها التكفيريون في سورية، وبالتالي فإن المماطلة الغربية وعدم الجدية في الحرب على الإرهاب ربما لن يطول الوقت حتى نرى خنادق لـ”داعش” في لندن وباريس وبرلين وغيرها من العواصم الكبرى.
في النهاية فإن الاستجابة للغة العقل ودعم الجيش العربي السوري، الذي يتحمّل العبء الأكبر في محاربة الإرهاب، وحدهما الكفيلان بتجنيب العالم ما لا تحمد عقباه.