عناصر الرؤية.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

عناصر الرؤية.. بقلم: د. عبد الرزاق المؤنس

تحليل وآراء

الخميس، ١٨ ديسمبر ٢٠١٤

كل مصطلح مرشح للاستخدام الخاطئ وللتوظيف السياسي أيضاً، بيد أنّ ذلك لم ولن يمنع البشر من معالجة واقعهم، كما أنّ التزوير وإن كان يحجب الحقائق ويدلس على وعي الناس لزمن إلا أنّه لا يقوى على تغيير الواقع، ثم لماذا تبحث الأمم الأخرى عن مفردات هويتها في القومية أو في الدينية كما في المجتمع اليهودي والصهيوني وخصوصاً في (إسرائيل)، وفي القوميات الأوروبية؛ ألمانية كانت أم بريطانية أم فرنسية، أو التعصب للهوية الأميركية مع أنّها لا تملك أركاناً مجتمعة في الدينية أو القومية أو الثقافية، وهذا شيء تتصاعد وتيرته حتى في اصطناع نسبة للهوية في الثقافة التي تميز أمة أو دولة عن غيرها؛ فنذعن مثلاً بأصالة اليابان وذاتيتها وخصوصيتها ولكن ينكر على العالم الإسلامي وعلى المسلمين حقهم في ذلك بالرغم من أنّهم يملكون حقيقة الأركان لهوية لها جذورها العتيدة في الأصالة التاريخية التي انبثقت عنها مواد الشعوب العالمية، وقد باركها وعززها وحافظ عليها الهدي الرباني القرآني وأنواره في هدي الحكمة النبوية، وهذا الهدي نفسه في دعوته وبصيرته الجلية لم يمنع من التعرف على ثقافات الشعوب والأمم بشرط اليقين أولاً والتفهم مع الاعتزاز والعناية بأساسياته وثقافته منطلقاً للتبادل العلمي والمعرفي والثقافي مع الآخرين ولو كانوا غير مؤمنين، فالآخرون لهم أشياء وأفكار جيدة، وإن كان من الأفضل تذويب ما يكتسب من الآخرين في بنية الثقافة الذاتية، بل إنّ هذا هو التزام لنبحث عما يرتبط بنا ونعثر عليه بشرط أن نملك حرية الاختيار وتكون لنا القدرة على الهضم، على نحو يتم التمييز بين ثقافتين، والذي يجب أن نرفضه هو القسر والإجبار في تلقي ثقافة الآخر، وإذا كان الآخر عدواً فلنا أن نتصور ماذا يدفع لنا من ثقافته، وأن نتصور أيضاً أن هذا الدفع ما كان ليؤتي أكله فينا إلا بعد أن تحرك بآليات محلية ويسري ثم يستفحل على أرضية ضعفنا في الداخل، وعلى أرضية مواجع ووهن تسلط على مثقفينا ومفكرينا الذين لم تترب فيهم الأهلية والكفاءة ليكونوا غيارى وقديرين بهوية أمتهم وثقافاتهم فدخلت الاستغرابات في الثقافة وفي الأخلاق وفي السياسات بل وفي تفاصيل عادات وتقاليد حياتية ومعاشية إلى أجزاء من مجتمعاتنا من غير أن يغيب عن البال الحسرة أنّ من هؤلاء المثقفين والمفكرين من كانوا جسراً مهماً لعبور تلك الاستغرابات ولو كانت استكبارات مرتزقة من مظان مصانع الدراسة ودور الثقافة ومخرجاتها في الدول الغربية والمعادية، وهذا من أسوأ مظاهر المرض؛ فلضعفنا وبضعفنا يتم الغزو، وضعفنا هو أرضية الغازي إن لم تكن خيانتنا ونفاقنا وفردية مصالحنا!!.. وهل تُبنى أمة هذه محتوياتها؟ أم هل تبقى لها أية حقيقة في تراثها وأمجادها وأعلامها مهما تلونت هذه الأعلام بأجمل الألوان؟!، وطريق المواجهة لا يتمثل بتشييد السدود وحدها ووضع المتاريس بل بتشخيص طلاب وعلماء ومفكرين وفق مناهج كرامتنا وعزتنا ومباحثنا على أركان لغتنا العربية وآدابها، وعلى قوى عقيدتنا اليقينية وعلومنا في فقهيات علوم الدين والدنيا والعلوم الكونية المسخرة لتعزيز الاعتصام وأمانة النسيج الاجتماعي وتآلف شعوبه في خدمة مناهض حضارتنا، وأن تعبأ بهذا كله في الحقيقة والمظاهر والمساقات معاهدنا وجامعاتنا ودور العلم، وأن يعاد في عوالمنا العربية والإسلامية النظر والهم والعمل الجاد المخلص في إزالة إفراطات مذهلة وخطيرة متشددة أو متساهلة أو مستغلة لكل ما يخص الحراك الديني ومحاريب عمله ليقوم به أهله المستحقون له حقاً وأمانة عن أدب وإخلاص لحمل رسالته في كل توجيه وإرشاد فإنّه:
إذا سلِم الدينُ القويمُ من الأذى    فكل أذى فيما سواه سلام
عندئذ يصح لنا عن جدارة وقدرة إبداع الفكر وابتكار الحلول وبناء الواقع وتقوية البناء؛ أي بتجاوز الضعف وتماسك الداخل فكرياً وموضوعياً.. (للحديث بقية).