السعودية والعبودية

السعودية والعبودية

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٧ ديسمبر ٢٠١٤

 حين يصبح العبد سيداً، تصبح السيادة مجرد مطيَّة، ثورة أو بقرة لا فرق، فجواز التأنيث هنا من عدمه لا يشكل حائلاً دون الخلط والاختلاط، فالشيخ الغامدي امتطى ثورته إلى الاستديو وفجّرها في وجه السعوديين دونما نقاب، فاستُلت السياط لإعادته إلى الحظيرة، حتى مفتي السعودية حذره ودعاه للتوبة، وهذا الغامدي وهو رئيسٌ سابق لـ"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في مكة، وقد أفتى بجواز سفور وجه المرأة وكفيها، وأنّ النقاب ليس شرعاً، فطلب منه الجمهور رؤية زوجته في نبرة تحدٍ، فاصطحب زوجته إلى استديو قناة "إم بي سي" السعودية، فانهالت عليه الشتائم حد التكفير من أناسٍ يعيشون في بلدٍ يحوز المراتب الأولى على الدوام في زيارة المواقع الإباحية، والمرتبة الأولى لأهله في السياحة الجنسية حول العالم، لكن المتشددين في تلك البلاد رأوا في تلك السياحة فعلاً حراماً، فقاموا بتحليلها وتشريعها لتصبح سياحة جنسية حلال ووفق "الشريعة"، فدعوا للجهاد في سوريا، ولم يكتفوا بذلك، بل وإمعاناً في الحرص على مرضاة الله، شرعوا لغير القادرين على الجهاد والسبي والغُنم السياحة الحلال، وهو قرار يبيح التزوّج من اللاجئات السوريات القاصرات، وقد اختلط على من أفتى الأمر بين قاصرات السن وقاصرات الطرف.

وهذا الخلط ليس غريباً على مملكةٍ موتورةٍ بالعبودية والجنس والجهل، فدائماً ما تفاخر الأمم بتاريخها وثقافتها وعمرانها وقوتها، أما تلك المملكة فلا شيء تفاخر به إلا إنسانية الملك، فهو ملك الإنسانية، وهذه الإنسانية هي الوجه الحقيقي لعبودية آل سعود، فهم لم يبخلوا قط بدفع المال أين ومتى طلب منهم السيد الأمريكي ذلك، من أفغانستان واليمن وجنوب السودان وإيطاليا وغيرها الكثير وصولاً إلى (إسرائيل)، أما في الثقافة فإنّ الأمر يحتاج لمعلقاتٍ قد لا تكفي للتغني ببلاغة الملوك والأمراء، فهم أبلغ من السنيورة حين قال بأننا- ولا أعرف ضمير المتكلم هنا عائد على من، قد يكون على آل سعود- أننا لن نترك راية فلسطين لإيران والتطرف، والسنيورة أيضاً بحكم المعاشرة، قد اختلط عليه الأمر، فالأخضر في راية فلسطين لا يرمز للريال، وأما عن العمران فحدث وأطِّل، فمن خيمة الوبر الأصيلة إلى ناطحات السحاب الهجينة والتطاول في البنيان، فلا يوجد فضل لسعوديٍ واحدٍ ولو في لبنةٍ واحدة، اللهم ككفيل لمن خطط ورسم ونفّذ، والكفالة هذه عبودية أخرى، يمارسها عبد السياسة نكاية بأحرار العمل.

وعن القوة فهزيمة الجيش السعودي أمام نصف دستة من الحوثيين ليست ببعيدة، وفي رسالة وجهها أسامة بن لادن للملك فهد–وهو شاهدٌ من أهلها- قال في سياق احتجاجه على موازنة الدفاع الهائلة والتي تضاهي ميزانية عشر دول كبرى، مقارنةً بالأداء المخزي لذلك الجيش في حرب عاصفة الصحراء حرفياً "فلكي يجهز لواء مدرعات واحد، أُضطرت البلاد أن تحضر الفرق التقنية اللازمة من الباكستانيين"، ثم يستطرد بن لادن فيعبر عن صدمته من الأرقام المهولة التي تُصرف لوزارة دفاعٍ يتربع على عرشها أقدم وزير دفاع في العالم، ويبدأ بسردٍ للأرقام المهولة ذات الأصفار التسعة والعشرة، ولكن بن لادن يعرف أنّ وزيره للدفاع مولعٌ بشقراوات لندن وريع سمسرة صفقات السلاح وليس بالسلاح والحروب، فأعظم معاركه لا تحتاج سوى لحبة زرقاء يستعين بها على شيخوخته فينتصر لفحولته، فلا يسيء لسمعة الأعراب، وبالمناسبة فإنّ كل شرخ أو تشويه ونمطية في صورة العرب لدى الغرب، يقيناً خلفها مأفون مأبون يُدعى أمير.

إنّ هؤلاء الأمراء حدثاء الأسنان- في الصف الثاني والثالث- يستعجلون المُلك، لذلك فهم يقدمون مواثيق الولاء والطاعة لأسيادهم في الغرب وفي (تل أبيب) بما يفوق صكوك العبودية لأسلافهم، ولا دليل على ذلك أوضح من مسارعة الصف الأول للمجاهرة بالتحبب والتزلف لـ(إسرائيل)، حتى لا تستعجلهم الولايات المتحدة بالرحيل، ومن المفيد أن نتذكر أنّ الرئيس الأمريكي بيل كلينتون حين زار قواته في حفر الباطن، رفض الذهاب إلى الرياض لزيارة الملك، فأتاه الملك صاغراً إلى القاعدة الأمريكية، فقال النفطيون كرم ضيافة، وأما الحقيقة فكلهم عبيد، فإذا كان هذا حال الصف الأول، فعلى أي حال سيتقدم الصف الثاني إن أسعفته المتغيرات بالبقاء، وهذا يثقل كاهل الأمة المنكوبة بـ(إسرائيل) واجبة الزوال كشرط نهضة، بمملكة آل سعود واجبة الزوال كعامل سؤدد.