بين الدين والوطن.. بقلم: فادي برهان

بين الدين والوطن.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٧ ديسمبر ٢٠١٤

يتساءل البعض عن الولاء للوطن أم للدين وأيهما يتقدم على الآخر أيُقدم الإنسان ولاءه لدينه؟ أم لوطنه؟
 ويُطرح التساؤل بحدّية وكأن الدين والوطن ضدان لا يجتمعان حتى تبلورت الفكرة بأنّ الملتزم المتدين خائنٌ متنكرٌ لوطنه، وأنّ الوطني المستقل المحافظ على تراب أرضه كافرٌ زنديق، وبدأ البعض يردد بصوتٍ عالٍ بأنّ قاموس الإسلام لا يحتوي مفردة الوطن فالمسلم ليس له وطن وحيثما أُتيح له تأدية تكليفه الشرعي فهو وطنه، والإسلام غير مرتبط بتراب أو بلغة أو بقومية فالمسلم أخو المسلم وإن كان الأول مسلماً شرقياً على سبيل المثال والثاني من أقصى بقاع الأرض وإن لم يكن بينهما قواسم مشتركة تجمعهما فالأخوّة في الدين تختزل كل الروابط الأخرى وتختصرها.
 وعلى هذا الأساس بدأت بعض الدوائر تروّج لمفاهيم غريبة وبعيدة كل البعد عن الدين والإنسانية والأخلاق الإسلامية، حيث خلطت الأوراق فجعلت الولاء للدين مفهوماً ملتبساً بين الولاء للدين كدين وبين الولاء للدين كدولة تدّعي رعاية دين أو مذهب معين فأصبح ولاء البعض متجهاً لتلك الدولة ظناً منه أنّ التدين والالتزام وتطبيق الشريعة الإسلامية إنّما يكون بالولاء والانبطاح مطلقاً أمام قيادة تلك الدولة وتنفيذ برامجها وأجنداتها وكل ما يصبُّ في مصلحتها ومنفعتها وإن كان مدمراً لوطنه ومخرباً لأرضه فالولاء للدين قد تحول ولاءً لدولة تدّعي رعاية مصالح هذا الدين والمحافظة عليه ونشره ولم يعد ولاءً للعقائد التي يعتقد بها أو الأخلاق التي يعمل بها، أي لم يعد ولاءً للدين كدين وإنما تحول بفعل غسيل الأدمغة إلى ولاء للدين كدولة تدّعي تمثيل هذا الدين أو ذاك، ومع مرور الزمن وبسبب المصالح السياسية والنفعية وعوامل أخرى كثيرة جَرفت شرائح كبيرة من المسلمين ومن غيرهم وحَرفت بوصلتهم عن أوطانهم اعتقد البعض واهماً أنّ الدين مرتبط بتلك الأوطان على الرغم من أنّ مؤيدي هذه الفكرة عندما بدؤوا بالترويج لها ادعوا أنّ الإسلام غير مرتبط بالجغرافية أو القومية أو أي مفاهيم أخرى، فإذا كان قاموس الإسلام بحسب ادعائهم لا يحتوي مفردة وطن ولا يكرسها ولا يدافع عنها ولا يشجع على الإيمان بها فلماذا تدعي بعض الدول أو العوائل أنّها تمثل الإسلام وأنّ أي مسلم لا يواليها أو يبايعها أو ينبطح أمامها يكون خارجاً عن الملة؟ وإذا كان الإسلام غير مرتبط بوطن محدد فلماذا تسعى بعض الدوائر لربطه بجغرافيا ما أو عائلة ما أو وطن ما؟
إذا تساءلنا عن مدى ارتباط ديننا بوطننا يأتينا الجواب بأنّه لا ارتباط مطلقاً بينهما، ولكن إذا تساءلنا عن مدى ارتباط ديننا بأوطانهم يأتينا الجواب بأنّه يتوجب علينا أن نتنكر لأوطاننا ونخونها وننبطح أمام قياداتهم وأمرائهم لكي نسمى مسلمين فلماذا ازدواجية المعايير؟
فإما أن يكون الإسلام غير مرتبط بأوطان مطلقاً أو مرتبطاً بأوطان، يجب علينا أن نحدد المعايير أو المقاييس التي على أساسها نربطه بها أو بجغرافيا محددة أو دولة ما، والسؤال الذي يطرح نفسه:
ألا يستطيع الإنسان أن يطبق دينه في مسقط رأسه ويوالي وطنه دون أن تتحكم بقراره دولة ما؟ ألا يستطيع الإنسان أن يعتقد بما يشاء دون أن يرتبط بجغرافيا أو أرض أو عائلة؟ وهل من الضروري أن تُفرض على الإنسان المتدين الملتزم أجندات إقليمية حتى يسمى ملتزماً؟؟