استقالة هيغل.. انقسام الإدارة أم عودة شبح الحروب؟

استقالة هيغل.. انقسام الإدارة أم عودة شبح الحروب؟

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٨ نوفمبر ٢٠١٤

 شكلت "إقالة " وزير الحرب الأمريكي " تشاك هيغل" منعطفاً جديداً لسياسة الولايات المتحدة على المستويين الداخلي والخارجي. فقد جاءت في توقيتها المتزامن مع زحمة الملفات والاستحقاقات التي يواجهها الرئيس باراك اوباما والتي راكمتها نتائج السياسة الامريكية منذ أحداث 11 سبتمبر حتى اليوم لتلقي بظلالها على المشهد الحالي في بلاد العم سام.

الرئيس أوباما الذي حمل إرثًا ثقيلًا عن سلفه الأرعن بوش يقف الآن في منتصف الطريق ما بين استراتيجية الحرب الناعمة التي اعتمدها والتي أدت الى مزيد من التعقيدات في كافة الملفات الدولية الملحة والحساسة، وبين استراتيجية الحرب الخشنة (الأسلوب التقليدي للاستكبار الامريكي) التي اعتمدها أسلافه منذ الحرب العالمية الثانية وصولًا الى حرب العراق. وفي ظل الانقسام السياسي المتعاظم مع قرب انتهاء ولايته الثانية واستحقاق الكونغرس الانتخابي الذي فرز تغيراً في التوازن داخل الكونغرس بدايةً بالهيئة التشريعية حيث سيطر الجمهوريون على أغلبيتها في مجلسي الشيوخ والنواب، مما أجبر أوباما إجراء بعض التعديلات وليس إخراج هيل إلّا أوّلها، ومن المتوقع أن تكرّ سبحة التغييرات لكي تنتج فريق عمل يرضي الجمهوريين ليس فقط في المراكز المرتبطة بالسياسة الخارجية فقط بل قد تتعداها الى تغييرات داخلية تتوافق مع الرغبة الملحة لإيجاد حلول للمشاكل الداخلية أيضاً، في ظل تراكم الملفات الامنية والاقتصادية والصحية والتي وصلت حد الانفجار أحياناً، من احتجاجات وال ستريت الشهيرة وصولًا الى أزمة مقتل المواطن ذي البشرة الداكنة وتدعياتها مؤخراً.

تعددت الأسباب والآراء السياسية حول حقيقية استقالة هيغل، فمنهم من عزا ذلك الى فشل هيغل في طرح استراتيجية واضحة لمواجهة داعش سيما وأنّ هيغل هو جنرال الحرب الناعمة واستراتيجيته التي أتت به الى هذا المنصب هي استراتيجية "القتال من الخلف" وسحب الجيوش، ومنهم من اعتبر أنّ هيغل أُقيل وكان كبش فداء لتحقيق تغيير مطلوب في التركيبة السياسية بعد التغير الذي طرأ عليها، وقد يصيب الرأيان أو يتحدان ليكونا معاً سبباً وجيهاً في الإقالة إذا ما أخذنا في الحسبان التغير الدراماتيكي في المشهد الدولي في السنوات الخمس الاخيرة، من تعاظم القوة الروسية وكسرها لأحادية القطب الى الكباش الحاصل في الشرق الاوسط بين الإرادتين الأمريكية والإيرانية وصولًا الى مستقبل صناعة وتصريف السلاح وملف الطاقة الذي ينذر بتداعيات خطرة فيما لو خسرت الولايات المتحدة في حجز مقعد لها في "اوبك الغاز" القادم.

أمام كل تلك التحديات، حاول أوباما مع بداية عهده الثاني التعاطي معها برمادية مستفيداً من فائض القوة والهيمنة معتمداً أسلوب المناورة والمراوغة في كافة الملفات، الى أن جاء حساب حقله فيما يسمى "الربيع العربي" خلاف حساب البيدر، فسوريا لم تسقط والوحش الداعشي الذي هشّم الإسلام ودمّر المنطقة أصبح غولاً يمكن أن يبتلع السعودية، الحليف الأول والأكبر، وتهديده يطال اوروبا المتجهة الى الأسلمة الحتمية، ومن جهة أخرى فإنّ استيقاظ الدب الروسي من سباته وتناغمه مع القوة الإيرانية الصاعدة في زمن تهشيم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي كان يشكل قاعدة عسكرية متقدمة للأمريكي في المنطقة، وضع الادارة الامريكية أمام جدل كبير حول مقاربة كل تلك الأزمات والاستحقاقات، وبدأ البحث حول نجاعة السياسية الاوبامية الدولية مما خلط الاوراق داخل الادارة الامريكية وأعاد مربع السياسة الامريكية الى الصفر.

وهنا السؤال: هل استقالة تشاك هيغل هي مجرد كبش فداء كما يرى البعض أم أنها تغيير شامل في النهج الأمريكي المتّبع؟ وهل بدأت الولايات المتحدة بالتفكير الجدي في العودة الى الأسلوب القديم كي تواجه أعداءها وتحفظ مكانتها عبر إعادة إحياء خطط المحافظين الجدد؟ لعلّ الإجابة تكمن في شخصية الخلف لهيغل وبرنامجه واستراتيجيته التي سيعلنها، فإنّ تسلّم نائب وزير الدفاع السابق آش كارتر أو نائب الوزير المستقيل بوب فهذا يعني أنّ أوباما مستمر في سياسة تأجيل القرارات الصعبة لتقطيع المدة المتبقية من ولايته، وما إقالة هيغل إلّا نوع من تحميل المسؤولية وإرضاء الخصوم وشراء الوقت، أما اذا تسلّمت مساعدة وزير الحرب السابقة لشؤون التخطيط ميشيل فلورنوي كما يسرب من داخل البيت الابيض وهي الاوفر حظاً فهذا يعني أنّ هنالك تحول كبير في السياسة الخارجية عنوانه المواجهة المباشرة والحروب المتنقلة.

صحيحٌ أنّ أي وزير حرب جديد سيستلم وزارته سيواجه مهمة صعبة جداً سيّما وأنّ الانقسام في رؤية مواجهة التحديات حاد داخل الادارة الامريكية ما بين من يؤيد بقاء نهج هيغل الداعم لحلفائه في المنطقة وعلى رأسهم المملكة السعودية ومناهض للانفتاح على إيران، وبين من يؤيد الرئيس أوباما بضرورة التعاون الأمني مع إيران لمواجهة التحديات والتخفيف من تداعيات الحرب السورية التي أصبحت تحولت من مشروع لكسر المقاومة في سوريا الى كسر الارادة الامريكية في المنطقة.

فلورنوي ستساعد الرئيس اوباما في السير قدماً في استراتيجية التقرّب من إيران وستعمل على الحد من الخطر الداعشي ورده الى حدود "المصلحة الامريكية" دون القضاء عليه لما في ذلك من ابتزاز للعرب، مربح للامريكي الذي يساوم بأمن الدول العربية على خزائنها وآبارها، مستمراً في إشعال الحرائق الى أقرب الأجلين... نفاذ النفط، أو قيام الساعة.