سعد الحريري: إسمعوا..أنا هنا

سعد الحريري: إسمعوا..أنا هنا

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٨ نوفمبر ٢٠١٤

 مسرحية ذات سيناريو ضعيف وممثلين أضعف وإخراج ركيك، اختارها سعد الحريري المقدّمة الأجمل لإطلالته االبارحة برفقة الأستاذ مارسيل غانم في برنامج كلام الناس. بالطبع لم يعتد الأستاذ غانم على هكذا سقطات إعلامية مدويّة، ومن المؤكد أنّ سمعته وخبرته الصحفية تمنعانه من السقوط بها، لذلك فإنّ ما حصل ولو ظهر للمشاهد على أنّه بطلب من مارسيل، ولكن بصمات الرئيس الحريري وفريق عمله كانت أكثر من واضحة، وأبعد من صائبة. لقد نجحت المقدمة في إعادة اللبنانيين نحو زمنٍ كان يمارس فيه الحريري تدريباته السياسية على الهواء مباشرةً، بعدما حملته السياسة إلى حيث لم يتخيّل نفسه يوماً أن يكون. بعد ذلك إنطلقت الحلقة عمليًّا حيث بدا واضحاً محاولة الحريري ومعه غانم زرع ابتسامة دائمة على وجهيهما طيلة الوقت، ونجحا بذلك رغم الملفات الدسمة والمعقدة.

في السياسة كانت الحلقة أكثر من موفّقة، بالنسبة للأستاذ مارسيل غانم طبعاً، حيث يُسجّل له حضوره في كافة المحاور كمساعد ومحفّز للرئيس الحريري، فكان غانم يرد ضيفه في أكثر من مناسبة، كما يعمل على تلقينه المصطلحات في العديد من المرات كلفظ الحرفين الأوّلين من الكلمة ليعود وينجح الحريري وبسرعة بديهته المعهودة في إكمالها، وهكذا دواليك.

أشاد الحريري مطلع كلامه بمواقف رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، وهذا ما يؤشر إلى أنّ الأخير يرسم لمستقبل سياسي من نافذة المستقبل، بعدما خرج خالي الوفاض من الباب الكبير لقصر بعبدا. الحريري أكّد أنّ لسليمان دور كبير بالعمل على استقدام الهبة السعودية للجيش اللبناني. في موضوع الهبة تابع الحريري أنّ اعتمادات فُتحت بمبلغ 400 مليون دولار لجميع الأجهزة الأمنية حتّى اليوم. أين الملياران والستمئة مليون المتبقية من الهبة؟ سؤالٌ غاب عن بال المحاور.

غمز الحريري من باب توجهه وفريقه السياسي لرفض الهبة الإيرانية قائلاً: "أفضل هبة بتقدمها إيران بتسحب حزب الله من سوريا". قالها وضحك وحده لبرهة وانتقل لموضوع آخر، بعدما أدرك أنّ نكتته "بايخة"، كما يُقال في لبنان.

أكّد الرجل أنّ عودته إلى لبنان لا تمنعها الأسباب الأمنية، بل أنّ عمله على الهبة السعودية وإنشغالاته الكثيرة "لمصلحة لبنان" هو ما يؤخر تلك العودة، كاشفاً أنّ زيارته الأخيرة للبلاد كانت لإنجاز مهمّة "لمصلحة لبنان أيضاً".

وعن كيفية سعيه وفريقه لاستقدام الأسلحة للجيش اللبناني قال الحريري ما حرفيته: "منروح عالدول.. منشوف شو عندن سلاح ومعدّات.. بيعطونا أسعارن.. في شباب من عندي بيشوفو شو الوضع هني والحكومة.. وعأساسو منشتري". هنا لا يمكننا سوى استحضار مشهد النائب سامي الجميّل عندما شرح للمجلس النيابي وعلى الهواء مباشرةً كيفية وضع جندي كل كيلومتر في الجرود وإعطائه "نادور" للمراقبة وذلك لحماية لبنان من دخول المجموعات الإرهابية. في معرض المقارنة بين الشرحين تميل كفّة الإقناع نحو الجميّل الحفيد.

المادة الأدسم من حلقة كلام الناس كانت في المحور الذي تناول موضوع الحوار المرتقب بين حزب الله وتيار المستقبل. بدا الحريري، ولأوّل مرّة، أنّه ذاهب لمحاورة الحزب بثقة كاملة. ثقة لن تجعله يتراجع عن أيّة نقطة من مسلّماته، لن يتنازل للحزب بأيّ شكلٍ من الأشكال. الحريري متجه نحو الحوار لأجل الحوار، لماذا؟ لأنّ "مصلحة لبنان" تقتضي ذلك. تجدر الإشارة الى أنّ عبارة "مصلحة لبنان" كانت الأكثر تداولاً في الحلقة، وفي كل جواب من أجوبة الحريري على أسئلة غانم استعملها الأوّل.

"أنا ما رايح غطّيه للحزب بسوريا." يؤكد الحريري الإبن أنّ الفريق الذي سينتدبه لمحاورة حزب الله سيشرح للحزب الخطر الذي شكّله الحزب على لبنان عبر مشاركته في الحرب السورية. يسكت هنا للحظات ثمّ يتابع ردّاً على استغراب غانم الذي أوضح له أنّه لولا هذه المشاركة لوصل داعش إلى جونية: "هل هناك هجوم من داعش أو من الأنصار عالأردن أو تركيا، ليش فقط على لبنان؟". بالطبع لا يقصد الرئيس الحريري نادي الأنصار لكرة القدم الذي يدعمه هو مادياً ومعنوياً، لا بل "الأنصار" هنا سقطت سهواً بدلاً عن "النصرة" وهذا ما يوضح أنّ الحريري متابع دقيق للمجريات الأمنية والقضائية اللبنانيتين، إذ تكاد لا تخلو نشرة أخبار واحدة من ذكر "النصرة" خمس أو ست مرات متتالية خلال نصف ساعة. لا علينا، ما يهمّنا أنّ الرجل سيوصي فريقه بالتفسير للحزب، وعليه قد يضطر الحزب إلى الإنسحاب من سوريا خجلاً. هكذا يريد الحريري الحوار.

يستبعد الرجل بشكل صارم أي لقاء قريب بينه وبين أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله. هنا يحاول الحريري إعطاء نفسه القيمة المضافة التي لم يعطها له إعلامه من ذي قبل. حاول الحريري تصوير نفسه بمعرض المقرّر ما إذا كان سيلتقي السيّد نصرالله أم لا. فكما يعلم الجميع وبالرغم من تواضع السيّد نصرالله بالنسبة للّقاءات الثنائية إلّا أنّ أي لقاء سيجمعه بالحريري يحتاج لتحضير سياسي وأمني كبير، وعليه ليس الحريري وحده من يعطي الضوء الأخضر بذلك، رغم عنهجيته الواضحة في المقابلة لجهة عدم نيته الذهاب للقاء السيّد نصرالله. كان بإمكانه استبعاد اللقاء دون هذا التكبّر الواضح، فما لم تمنحه له السياسة ولم يعطه إياه الرأي العام لا يمكنه انتزاعه رغماً عن الجميع، ما طبع من ضعف بشخصيته السياسية طوال عشرة أعوام لن تبدّله ساعتان على الهواء برفقة محاور حدق أخذ من ضيفه ما يريد بكل سلاسة.

كل ما فعله الحريري اليوم لم يكن تمايزاً عن السعودية كما زعم في منتصف حديثه "أنا لا أمثّل السعودية". فمواقف الحريري في شتّى المواضيع تتماهى بشكل تام مع الكلام الأخير لسفير المملكة في الأمم المتحدة والذي طالب بمعاقبة حزب الله وإدراجه على لائحة المنظمات الإرهابية. الحريري ساوى بين الجنون والإرهاب بعد أن اتّهم حزب الله بالجنون. موقف أقل ما يوصف بأنّه "سعودي".

يستغرب عضو المكتب السياسي في الحزب العربي الديمقراطي علي فضّة: "سعد الحريري لو ما كان ابن رفيق الحريري، شو كان بدو يشتغل؟؟".