صناعة الرأي العام.. بقلم: سامر يحيى

صناعة الرأي العام.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الجمعة، ٢٨ نوفمبر ٢٠١٤

ليست الصناعة المادية دائماً هي الأساس في الصناعة، فالعامل المعنوي له الدور الكبير في البناء والإنتاج، وكلما كان الاهتمام المعنوي بالعامل أكثر كلّما كانت عملية الإنتاج أكثر دقّة وإتقاناً وإخلاصاً في العمل، فليست المادّة دائماً هي الأساس، وليست هي المعيار، إنّما هي أهم الأسس وأحد المعايير، لذا بدأت تطلق كلمة الصناعة على عدة عمليات إنتاج مثل "صناعة السياحة، صناعة الإعلام، صناعة الأدب، صناعة الرجال........... إلخ"، ولكن يا ترى هل نؤمن بصناعة الرأي العام وصياغته، وهل نحن قادرون على صناعة الرأي العام بشكلٍ حقيقي، أم مازلنا نعتمد على أنّ الرأي العام لابد أن يستوعب الدرس في المستقبل، وسيتأكد من صدقية موقفنا وقرارنا الصائب وقتها، بدلاً من أن يكون له دور في المساعدة في استكمال توضيح هذا الموقف الصادق والثابت، فلا يكفي الاعتماد على محبّة الشعب لنا وتقبّله كافة ظروفنا، وتقديره ما تمرّ به البلاد، دون أن نعيره أدنى اهتمام ونشعره بأنّنا نشعر بآلامه ونشاطره ما نقوم به من أجل أن يبقى صامداً، ونعزّز من صموده ووقوفه إلى جانبنا، عبر توضيح الحقائق ووضعه بالتفاصيل التي لا تتناقض مع الأمن القومي، ولا تتعارض مع المصلحة الوطنية العليا، ولا تؤثر سلباً على عملية البناء والتطوير، وما أكثر تلك الأدوات وما أجدرنا أن ندخل موسوعة "جينس" أو ندخل في الأداء الأفضل لصناعة الرأي العام وتحقيق استقطاب جماهيري واسع، وتحدٍّ لكل من يحاول تشويه سمعتنا، علماً أنّ لدينا الإمكانيات المادية والبشرية والمعنوية رغم كل الظروف التي يمرّ بها البلد، فقط إن وضعنا نصب أعيينا الوطن وحب الوطن...
صناعة الرأي العام ليست من منجزات عصر التكنولوجيا، ولم تبدأ مع العصر الحديث، بل قديمة قدم التاريخ، منذ أن بدأت الحياة، فعندما يأتي المولود إلى الحياة على الفطرة، يبدأ الأهل بالتعامل معه بدءاً من تعليمه على الرضاعة الطبيعية أو الصناعية، والانتقال لمحاولة تعليمه الكلام والسير، وصولاً لإقامته علاقات اجتماعية مع المحيط والمقرّبين منه لتتسع الدائرة مع من يتكّلم ولمن يتكلّم... إلخ.. سواء بشكلٍ مباشرٍ أو بشكلٍ غير مباشر، وصولاً لأن يكتشف كل شيء بنفسه عبر قراءته الخاصة لما اكتسبه من معلومات ونصائح وما رأى عليه مجتمعه، ليصبح مستقلاً برأيه، ولكن بالتأكيد ضمن إطار البيئة التي يعيش بها، ولا يشذّ عن هذه القاعدة إلا قلّةٌ تتمرّد على المجتمع وتقاليده، وإن اختلف الموضوع الآن قليلاً بسبب التكنولوجيا التي انتشرت، واتساع دائرة معارف الطفل، فأذكر عندما كان عمري عشر سنوات كنت أقرأ مجلّة "العربي"، وأطّلع على بعض المعلومات من الجرائد التي بمتناول اليد، ومتابعة بعض برامج التلفزيون التي تبث من الرابعة عصراً إلى الثانية عشرة منتصف الليل، بينما الآن نتابع التلفاز ونحن نقرأ الأخبار وبنفس الوقت نطلّع على كتاب إلكتروني وقد يكون على الطاولة كتاب ورقي نقرأه في وقت الفراغ والمذياع إلى جانبنا، ومن لا يحب القراءة يبحث عن ما يحب عبر الجوال الحديث أو الانترنت أو النقاش مع الآخرين، أو متابعة وسائل الإعلام المتنوّعة، فتشعّبت المصادر، وصار لدى الشخص الغث والسمين، وبات يأخذ ليس فقط ما يتناسب مع بيئته ومجتمعه، إنّما يدغدغ مشاعره وعواطفه ورغباته ويداعب أحلامه، ولو كان سراباً.... وهذا سر العمل الاستخباراتي الإعلامي العالمي، والذي رغم وضوحه وضوح الشمس مازلنا نقع ضحّيته، وللأسف منهم بعض كبار من يدّعون أنّهم من المثقفين وأصحاب الرأي..
فالاستخبارات الأميركية والعالمية كلها تعمد إلى بث الشائعات وحَبك الأخبار والمعلومات بالطريقة التي تجدها مناسبة وأكثر تأثيراً في المجتمع، فهي تشدّد عملية الرقابة وتتجسس على مواطنيها، ولكن لديها أسلوبها الخاص الذي يشعر المواطن بأنّ عملها ما هو إلا لحمايته وليس لإزعاجه، واستخدمت كافّة الوسائل لتحقيق أهدافها، ونشر ما تريده، سواء عبر نشرات الأخبار، والأفلام والمسلسلات، والشائعات، وعبر تصرّفات وتصريحات إن قرأت ما بين السطور تجدها تؤدي المعنى المعاكس تماماً، وهذا ما نراه ينطبق على هذه الحرب التي تشن على الوطن العربي، وتدمير مقدّرات المواطن العربي وإمكانياته وقتل كل رغبةٍ لديه بالتطوير العلمي والصناعي والتكنولوجي والبقاء لاهثاً وراء لقمة الخبز والعثور على مأوى يعيش به بأمانٍ بعيداً عن أي تفكيرٍ جديّ بالبناء والتطوير على الأقل في المدى المتوسط، وما هذا إلا جزء من صناعة الرأي العام، الذي لا يقتصر على المؤسسات الإعلامية وإن كانت صاحبة الدور المحوري والأساس، كونها المفترض أن تكون الأكثر قدرة على تحليل الرأي العام ومعرفة توجّهاته وتقبّله لهذه الفكرة أو تلك لهذه الصيغة أو تلك، لكي تبدو الفكرة مقبولة من الطرف المستقبل، وكما قال بيل غيتس، "إذا كنت لا تستطيع جعل الأمر جيداً، فعلى الأقل اجعله يبدو كذلك"، إنّما أيضاً مطلوب من كل مؤسسة حكومية بكامل أركانها دور كبير، فكل مؤسسة أقدر على معرفة إنتاجها، وطريقة تسويقه، أياً كانت إدارية قانونية تجارية صناعية .... إلخ، وتتعاون مع وسائل الإعلام المختلفة بما فيها السينما والتلفزيون والمسرح وحتى نشر الأخبار بين المواطنين ليناقشوها بدلاً من مناقشة هذا حرام وهذا حلال هذا فاسد وهذا سارق، بعيداً عن التفكير الجاد والحلول المنطقية، والعمل الجدي بما يصب بمصلحة الفرد والمجتمع بآنٍ معاً..
وهذا الدور المفترض أن تقوم به دائرة العلاقات العامة، والتي للأسف غير موجودة بمعظم دوائرنا، رغم أهميّتها في نشر أفكار المؤسسة وما تقوم به من جهد، ومعرفة رأي جمهورها وردّة فعلهم بما يصب بمصلحتها وتطوير عملها، وهذا ممكن بل دوره أهم في وقت الأزمات أضعاف وقت السلم والاستقرار... وبدلاً من الدعوة للتقشف بغض النظر عن الصيغة التي أرادت لها بعض القنوات الإعلامية، ولو كانت الفيسبوكية الانتشار، يصبح المواطن نفسه الذي يتحدّث عن ضرورة التقشّف عبر طرح أفكار وخطط وبرامج وطرق وأساليب تساهم وتسهّل في الوقوف مع الحكومة وتوضيح ما تبذله من جهد وعناء وتحميل المخرّب الحقيقي المسؤولية، وهو الإرهاب الذي أثر سلباً على كل أطياف الحياة، وتتم المساواة بين الجلاد الإرهابي، وبين الضحية مؤسسات الدولة وكوادرها ومواردها البشرية والمادية والمعنوية، وإن كانت بالتأكيد تتحمل مؤسسات الحكومة الدور الأكبر في هذه المرحلة بمضاعفة جهودها وابتكار السبل الأكثر نجاعةً وقبولاً للتطبيق في هذه الظروف، وعبر المتابعة وإتقان كلٍّ منا لدوره وعمله أياً كان هذا العمل ونوعه..
صناعة الرأي العام أمر ليس سهلاً، ويحتاج مجلّدات لنكتب عنه، ولكن نحن في هذه الحرب التي تشن على سوريتنا، أحوج ما نكون لأن نتشارك مع حكومتنا في شرح الحقائق بعيداً عن الإحباط الكاذب الذي يودي بالمجتمع ويثبّط الهمم، أو التفاؤل المخادع الذي أيضاً يودي بالمجتمع ويكون أخطر من الإحباط. نحن بحاجةٍ للحديث المنطقي الجاد المدروس بدقّة بما يساهم بتحقيق التعاون بين الحكومة والمواطن ليكونوا يداً بيد لاستكمال عملية البناء، والبدء بعملية الإعمار والتطوير للوصول إلى مرحلة ما بعد الاستقرار وإعادة الأمن والأمان إلى بلادنا..