بين خيار المفاوضات وخيار المقاومة فلسطين تضيع بالتقسيط!!

بين خيار المفاوضات وخيار المقاومة فلسطين تضيع بالتقسيط!!

تحليل وآراء

الخميس، ٢٧ نوفمبر ٢٠١٤

 منذ اتفاق اوسلو ولغاية تاريخه يعيش الشعب الفلسطيني وقواه السياسية والمقاومة انقسامًا حادًا بين رؤيتين، رؤية المفاوضات والحل السلمي، ورؤية المقاومة المسلحة والكفاح المسلح.
كان الرئيس الشهيد ياسر عرفات يمسك العصى من منتصفها، فيلجأ الى الإنتفاضة والعمل العسكري عندما تتعثر المفاوضات، ويلجأ للمفاوضات عندما تشتد عليه الضغوط الدولية وحتى العربية، فكان بذلك يقيم توازنًا دقيقًا بين العمل الجهادي والعمل السياسي.

بعد استشهاد ياسر عرفات بعمل مدبر وغالبًا منسق بين القيادة الإسرائيلية وبعض الشخصيات الفلسطينية المحيطة بعرفات تسلم محمود عباس السلطة بكل عناوينها، كان أمرًا ملفتًا أن يكون عباس رئيسًا للسلطة، ورئيسًا لمنظمة التحرير، ورئيسًا لحركة فتح في آن.
إفتتح عباس قيادته المفترضة للشعب الفلسطيني بالإعلان انه قد ولّى عصر المقاومة والكفاح المسلح وآن وقت المفاوضات كسبيل وحيد للحصول على حقوق الشعب الفلسطيني، وبلغ به الأمر حد السخرية من الصواريخ البدائية التي كانت تطلق من غزة على المستوطنات التي يقيمها العدو الصهيوني على الأرض الفلسطينية المغتصبة.

لم تقنع ثلاثة حروب شنها العدو الصهيوني على غزة في الأعوام 2008 و2012 و2014 وأدت الى آلاف الشهداء والجرحى، وتدمير المنازل وغالبية البنى التحتية لغزة السيد محمود عباس بعدم جدوى المفاوضات والإقرار بخيار المقاومة رغم المواجهات البطولية التي خاضها الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة بوجه العدو الصهيوني وأثبت فيها قدرته على الردع وإلحاق الأذى بالجيش الصهيوني ومستوطناته وبنيته التحتية، كما لم تقنعه كافة الإجراءات التي نفذها العدو بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، من قتل واعتقال وتهويد واستيطان بلغ حد ابتلاع أكثر من 40% من اراضي الضفة واستكمال تهويد القدس وهدم المنازل وطرد سكانها بما يجعل ثمة استحالة موضوعية لقيام دولة فلسطينية.

على أثر عدوان العام 2008/2009 صدر تقرير عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أعده القاضي اليهودي غولدستون واتسم بقدر من الموضوعية، فأدان "إسرائيل" وحملها المسؤولية عن جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة وكذلك جرائم حرب ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني في غزة، كاد هذا التقرير أن يودي ب"إسرائيل" الى محكمة الجنايات الدولية فيما لو جرت الموافقة على تحويله الى مجلس الأمن، لكن خضوع ابو مازن للضغط الأميركي حال دون إحالته الى مجلس الأمن والتصويت على معاقبة "إسرائيل" التي أفلتت مرة اخرى من العقاب، كان موقف محمود عباس محكوماً بالنكايات السياسية تحت تأثير الإنقسام السياسي بين الضفة والقطاع، وما زال الشعب الفلسطيني يدفع أثمانًا باهظة نتيجة لهذا الإنقسام.

كل ذلك يجري من فوق رأس الشعب الفلسطيني، ومن غير أخذ خياراته بعين الإعتبار، فلا انتخابات يعبر فيها عن رأيه وخياراته، ولا استفتاء على قواعد وأسس وخيارات العمل السياسي والنضالي، ولا اعتبار لرأي ومواقف الفصائل المقاومة التي تجمع جميعها ومن غير استثناء على المقاومة ومواجهة العدو الصهيوني بالوسائل القتالية لمنعه من الإندفاع في مشاريع التهويد والقتل والإستيطان والإعتقال وقضم الأراضي وهدم المنازل وتدنيس المقدسات وصولًا الى احتمال تدمير وهدم المسجد الأقصى وإقامة هيكل سليمان المزعوم مكانه.

ما زال محمود عباس يعاني فوبيا المقاومة ويعتمد خيار المفاوضات الذي يعترف هو شخصيًا انه لم يؤد إلا الى المزيد من المستوطنات، والى المزيد من القضاء على اية امكانية لقيام دولة فلسطينية، وما زال متردداً في التوقيع على اتفاقية روما التي يمكنها محاكمة "إسرائيل" على جرائمها، ويتمسك بأوهام مجلس الأمن الذي ينتظره الفيتو رقم 41 لصالح "إسرائيل"، ولم تتشكل قناعة لديه بالمزاوجة بين العمل السياسي والقانوني والعمل النضالي كما كان يفعل الرئيس الراحل ياسر عرفات.