ثقافة التعامل مع تداعيات الأزمة السورية ودورها في تقوية الحزام الشعبي حول الدولة ومؤسساتها

ثقافة التعامل مع تداعيات الأزمة السورية ودورها في تقوية الحزام الشعبي حول الدولة ومؤسساتها

تحليل وآراء

الخميس، ٢٧ نوفمبر ٢٠١٤

في مقالة سابقة لي بينت بأنّ كافة المؤشرات السياسية والعسكرية تشير إلى أنّ سورية تعيش مرحلة التأقلم مع الأزمة وهي من أخطر مراحل الأزمة لأنّ التعاطي معها سيرسم ملامح المرحلة القادمة ومستقبل سورية.
وهنا أشير إلى أنّه من أوليات التعاطي مع هذه المرحلة على الصعيد الداخلي هو امتلاك ناصية التعامل مع المشكلات الكثيرة الناجمة عن الأزمة وهذا ما نفتقده كأحزاب وقوى سياسية واجتماعية ومدنية ويفتقده الكثير من الوزراء والمديرين والقادة الميدانيين ومن الطبيعي أن تفتقده المجموعات والقوى التي برزت نتيجة الأزمة وفي ظلها.
لقد أصبحت الأزمة جزءاً رئيسياً من واقع الحياة في سورية مما يدفع إلى التفكير بصورة جدية في كيفية مواجهة المشكلات الناتجة عنها والتعامل معها بشكل فعال يؤدي إلى الحد من النتائج السلبية لها. وهذا يتطلب البحث في وسائل تحسين قدرة المجتمع في إدارة الأزمة من خلال تشكيل ثقافة جمعية لمواجهة القوى الأزموية والقوى التي تقف عائقاً في وجه الحزام الشعبي الملتف حول الدولة السورية ومؤسساتها.
إنّ أخطر ما نواجهه اليوم هو النقص الحاد لدى الكثير من القيادات المختلفة في ثقافة التعامل مع مشكلات الأزمة وهذا الضعف سيكون له تأثيره غير المرحب فيه على الأزمة ككل، فعلى الوزراء والمدراء والأحزاب وكافة النخب المدنية والاجتماعية والدينية وكافة العاملين على الأرض أن يمتلكوا شراهة الحصول على ثقافة التعامل مع مشكلات الأزمة والتي من دون الحصول عليها لن نتمكن من المحافظة على البقية الباقية من وحدة المجتمع.
إنّ الهدف الأهم في هذه المرحلة والذي يجب أن نضعه جميعاً نصب أعيننا هو وضع السيناريو المناسب لتقوية الحزام الشعبي حول الدولة ومؤسساتها وهذا يتطلب من كافة المعنيين امتلاك بعد معرفي لاستخدام الذاكرة والإدراك والوعي الإبداعي المعتمد على الذاكرة عند اتخاذ القرار.
ويتطلب منهم بعداً وجدانياً مستنداً إلى القيم والأخلاق التي يؤمن بها المجتمع وبعداً اجتماعياً لكل ما يمكن أن يؤثر ويتأثر بالأزمة والأهم من جميع الأبعاد السابقة هو امتلاكهم للبعد التعبيري من خلال الممارسات والأفعال ذات التأثير الايجابي على المجاميع البشرية ولا سيما تلك المتضررة من الأزمة وامتلاكهم للتأثير السلبي على تجار الأزمة ولصوصها بحيث تتحول الأفعال والأقوال حمماً لاهبة تسقط على رؤوس كل الذين يقفون عثرة في وجه تقوية الحزام الشعبي حول الدولة ومؤسساتها.
لقد بات من الضروري إعداد خطط جادة وشاملة لآليات التعامل مع تداعيات الأزمة والمشكلات الناتجة عنها، خطط تأخذ بعين الاعتبار التوقير والاقتصاد بالموارد المالية وفي نفس الوقت المحافظة على اصطفاف المواطنين حول الدولة ومؤسساتها. كما أنّه من الضروري تنظيم دورات علمية وعملية لتأهيل أفراد المجتمع والقيادات المدنية من وزراء ومدراء وأحزاب وجمعيات للتغلب على سوء الفهم في التعامل مع المشكلات الناجمة عن الأزمة التي تمر فيها البلاد, وهناك العديد من الوقائع التي حدثت ومازالت تحدث وتفاقمت فيها المخاطر بسبب غياب ثقافة التعامل مع الأزمات, والتي أوجدت حالة من فوبيا الهلع جعلت الكثير من النخب العلمية والمهنية وأصحاب الشهادات والصناعيين والتجار وغيرهم يسرعون إلى مغادرة البلاد مما تسبب في خسائر كبيرة لحقت بالموارد البشرية والمالية التي نحتاج لها في ظل الأزمة.
وختاماً أقول لا جدال على أنّ هذه الحالة التي تصيب الجميع ستظل بحاجة إلى المزيد من البحث والحلول العملية لإيصال جرعة تثقيفية لجميع الذين يعملون على الأرض، جرعة تأخذ بعين الاعتبار التوزيع العادل للإمكانيات المتوفرة وعزل العناصر الأزموية وإلحاق الضرر بكبار تجار الأزمة وبذويهم لأنّهم المعنيون على الساحة الداخلية بعدم خروج البلاد من مرحلة التأقلم مع الأزمة والانتقال إلى مرحلة استعادة النشاط.