شرعية دمشق لا تنتظر ترخيصاً أميركياً وقحاً.. بقلم: المحامي أحمد طارق قلعه جي

شرعية دمشق لا تنتظر ترخيصاً أميركياً وقحاً.. بقلم: المحامي أحمد طارق قلعه جي

تحليل وآراء

الأحد، ٢٣ نوفمبر ٢٠١٤

من حيث يدرك أو لا يدرك يتداول البعض في أروقة السياسة ووسائل الإعلام مفردات جديدة حمالة أوجه، لكنها وإن اختلفت نواياها وانسجمت مع طروحات سياسية فإنّها تفترق عن الركائز القانونية لتصب في إطار تنميط حالة مستحدثة تحاول الولايات المتحدة جعلها من القواعد الثابتة، فمقولة إنّ الولايات المتحدة باتت تعترف بشرعية الدولة السورية أو بشرعية النظام السوري وفق ما يعرج البعض على استخدامه كمصطلح دون الالتفات إلى غاياته الحقيقية، وأنّ الاعتراف هذا يتجسد في تصريحات الإدارة الأميركية حول التعاون والتنسيق مع سورية من عدمه أو استنتاجاً من لدن تصريحات أوباما الأخيرة حول طلبه من سورية عدم استخدام المضادات الجوية بمواجهة الطائرات الأميركية التي تنفذ غاراتها على داعش وأن التنسيق يعني الاعتراف، أو في قبول واشنطن أن يقود الروس جولة جديدة من الحوار السوري – السوري في موسكو وفق آلية ورؤية جديدة تستبعد مسألة تنحي السيد الرئيس بشار الأسد أو تغيير النظام وغيرها من المسائل الشرطية التي تعني رضوخاً أميركياً لاعتبار سورية دولة. أو وفق تحليلات أخرى، فإنّ واشنطن لا ترغب في إسقاط النظام السوري حالياً لأنّها لا تريد أن يحدث فراغ في المنطقة يمكن أن تشغله داعش التي تأتي على أخضر التنظيمات الإرهابية التي تعتبرها واشنطن معتدلة ويابسها، وأنّ هذا يهدد الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة، وبالتالي يذهب بعض المتحمسين للقول بأنّ التعامل الأميركي مع سورية كدولة هو بحد ذاته انتصار لسورية لأنّها أجبرت الولايات المتحدة على الاعتراف بشرعية الدولة السورية والنظام السياسي فيها. بينما يدخل آخرون من ثقب آخر، واشنطن ووفق تصريحات أوباما تحاول الموازنة بين هزيمة داعش وإسقاط الدولة، وآخرون ومنهم صانعو التقرير في مركز Center for Humanitarian Dialogue «مركز من أجل الحوار الإنساني» ومقرّه جنيف والذي سربه موقع فورين بوليسي منذ أيام حول خطط فرض (هدن) متتالية في المناطق السورية بين المسلحين والدولة السورية تنتهي بمناطق حكم ذاتي مع الإبقاء على (النظام) السوري، وأنّ مصير الرئاسة يحدده السوريون ولكن بانتخابات بمراقبة دولية، كل هذا يدفع إلى طرح سؤالين جوهريين، منذ متى كانت سورية فاقدة للشرعية حتى تمن علينا الولايات المتحدة بهذا الاعتراف؟ وهل تقتضي قواعد القانون الدولي ومبدأ سيادة الدولة وحرية شعبها في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي وشكل الحكم وشخص الرئيس مباركة البيت الأبيض؟.
منذ بداية تجمع سُحب العدوان على سورية في العام 2011 لتمطر إرهابيين ومرتزقة من كل حدب وصوب لم تتزحزح الولايات المتحدة في فرضياتها وأفكارها وأوراق عملها عن هدفها الاستراتيجي المركزي أي لازمة تفكيك الدولة الوطنية السورية وفصل مكوناتها الرئيسة، هذه الأوراق التي طارت محمولة على الريح الأميركية لتحط على طاولات جنيف واحد وجنيف اثنين واجتماعات لم تنقطع لما يسمى دول أصدقاء سورية لتستقر ترجمتها على أرصفة دمشق وتدوسها أقدام الواقع الذي يقول إنّ التخطيط والتنظير شيء بينما الإرادة في الميدان أمر آخر، وكل ما قيل تناوباً بين تلميح وتصريح حول حتمية رحيل النظام وتزوير مفتعل لمعنى الحكومة الانتقالية المؤقتة في وثيقة جنيف 2012 والتلوي ما بين نعومة الأفعى وفظاظة الذئب وصل عند حائط السيادة السورية. واشنطن التي لم تكن تحاول إيجاد حل للصراع من خلال لازمتها هذه بقدر سعيها نقل الصراع إلى مستوى آخر أي من معركة بين دولة وإرهابيين إلى صراع بين أمراء حرب تربطهم حبال غليظة مع الدول التي تقاسمت توجيههم وتشغيلهم بعد انهيار الدولة، بينما يقبع الأميركي ليراهن على الجميع وعلى إدامة الصراع، ولطالما حاولت واشنطن كثيراً وجربت شتى السبل حتى التهديد بعدوان عسكري وفشلت في زحزحة أركان الدولة السورية التي بقيت ثابتة، ولطالما أغلق باب مجلس الأمن أمام مساعيها لاستصدار أي قرار ذي ثقل مؤثر يبيح لها تكرار تجاربها السابقة في أفغانستان وليبيا والعراق وقبل ذلك في يوغسلافيا السابقة وفشل مشروع الصوملة، كان عليها الانحناء قليلاً وتعديل مسار الأشرعة على مبدأ إن لم تستطع حرف المسار فعليك الادعاء بأنّك أنت من رسمه، دون أن ترحل الهدف المركزي عن إستراتيجيتها التي تتقاسمها والأنظمة الوكيلة في المنطقة، فمقابل نعومة جون كيري وتبدل لونه ليناسب بيئة كل اجتماع يحضره وهوية حاضريه، يفرد أوباما جناحيه الجمهوري والديمقراطي محاولاً البقاء محلقاً بعد انكسار ساقيه، فيعيد وفقاً لصحيفة كوميرسانت النظر بضرورة تنشيط محاربة داعش وإسقاط سورية في وقت واحد، أي عصفورين بحجر واحد، وتنقل CNN فحوى الاجتماعات الأربعة التي عقدت في البيت الأبيض لبحث الأوضاع في سورية وعدم التخلي عن مشروع ما يسمى (دمقرطة سورية) وينبري تشاك هيغل بالحديث عن مدى إفادة سورية من الغارات الأميركية الوهمية على داعش لتبرير الفشل الأميركي حتى في تحقيق أهداف متواضعة سبق أن وعدت بها.
إذاً لم يختلف شيء باستثناء تعدد اللكنات للهجة أميركية واحدة تترجهما أوروبا المرتهنة إلى الفرنسية ببراعة مذلة لتاريخ الإليزيه وإلى بريطانية هرمة باردة والأهم نقلها بحرفيتها إلى الأعرابية التي فقدت خصوصية اللغة والتاريخ والنهج والمبدأ لتطبعها في أوامر خنوع ملكية، لكن وبالتأكيد لم تختلف الركائز القانونية للدولة السورية ولم تنجح محاولات تفكيكها أو اجتزاء سيادتها أو اجتراح حقها الثابت في استعادة السيطرة على كامل أراضيها ورسم قرارها السياسي، ولم يختلف أيضاً وضعها القانوني بعد فشل كل المحاولات لتحويلها إلى دولة فاشلة أو في تثبيت دعائم ائتلاف هجين أو مجموعة مرتزقة تحت مسمى حكومة مؤقتة، الذي تغير بالتأكيد هو أن سورية بصمودها وانتصارها وتشابكها واندماجها ضمن منظومة دولية جديدة مناهضة للهيمنة الأميركية قد حمت سيادتها واستقلالها، بغض النظر عن خروج جزء من جغرافيتها عن سيطرة الدولة في حرب مفتوحة تتشعب فيها تكتيكات الدفاع والهجوم بانتظار الحسم.
وضمن معادلة المتغير والثوابت هذه يمكن القول إنّ محاولة اللعب على المصطلحات وإهداء الولايات المتحدة نصراً زائفاً ومكانة لا تستحقها من خلال إشاعة الشعور بالغبطة لمجرد أنّها تعاملت مع سورية كدولة لا يخدم القضية العادلة التي تقاتل سورية لأجلها، فالشرعية لا تهدى ولا تمنح من الخارج خاصة ممن لا يملكها، والدولة السورية بأركانها ومكوناتها وركائزها لا تنتظر اعترافاً أميركياً ليؤكد المؤكد، فهي حقيقة التاريخ والحاضر والمستقبل ومن لا يرى هذه الثوابت فلمشكلة في نظره أو لقصور في نظرته.