انتفاضة ثالثة في القدس... تولد من رحم الاحتلال

انتفاضة ثالثة في القدس... تولد من رحم الاحتلال

تحليل وآراء

السبت، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٤

 كل ما بشّرت به المقالات والتحليلات السياسة عن بوادر انطلاقة انتفاضةٍ ثالثة من القدس ومن عرب الـ48 أو فلسطينيي الداخل لم يعد مجرّد كلامٍ على ورق، بل كانت العملية التي نفذها بطلا الجبهة الشعبية غسان وعدي أبو جمل وهما من جبل المكبر شرقي القدس، ترجمةً فعلية لكل هذه التحليلات بل وأكثر، فإن دقة تنفيذ العملية نسبًة إلى المكان الذي جرت به وللأسلوب والتوقيت والسلاح المستخدم كلها شكلت عوامل نووية انفجرت في وجه حكومة العدو الاسرائيلي وتناثرت شظاياها على المستوطنين الاسرائيليين، مشكّلةً فرحة لا توصف للفلسطينيين وبعض العرب.

بعد عمليات الدهس التي حدثت مؤخراً في القدس وما تبعها من اجتماعات حكومية للكيان الغاصب، حرصت كلها على اتخاذ إجراءات أمنية مشدّدة وخانقة بحق فلسطينيي الداخل، فضلاً عن التهديدات بالطرد والقتل وتهديم المنازل، وكلها ومحاولات في سبيل محاصرة أي عمل أو فكرة مقاومة حتى تضاف إلى عملية إطباق الحصار على المقاومة في غزة، وليس ما يحصل في رفح من تهجير وهدم منازل من قبل النظام المصري إلا خطوة من خطوات تطبيق هذه السياسة. جاءت هذه العملية لتصعق الاسرائيلي ولتبرهن للعالم بأسره أنّ القدس لم تخرج من دائرة الصراع، وأنّ للقدس رجالاً أصلاب يفدونها بدمائهم، فيخبرنا التاريخ  كيف أنّ الفرنجة لم يدخلوا الى القدس العتيقة الا على دماء مئة الف رجل مقدسي، وكيف حرّرها صلاح الدين الأيوبي بعد أن تمكن من هزيمة جيش بيت المقدس هزيمة منكرة في معركة حطين، فإذا كان الكيان الاسرائيلي هو إفرنج هذا العصر فإنّ في داخل كل مقدسي صلاح الدين. وإذا كان الحصار الأمني الذي تفرضه الحكومة الاسرائيلية على الضفة والقدس والداخل لا يسمح لأهلها بتشكيل مقاومة تشبه تلك التي قامت في لبنان أو غزة من حيث التنظيم العسكري واقتناء الأسلحة، فإننا نراهم اليوم ينفذون عمليات فردية لكنها نوعية تستطيع زعزعة الأمن الاسرائيلي.

وإذ كانت الأحداث الماضية سمحت لرئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو من استغلالها سياسياً ورفع حدّة الخطاب بهدف ضمان نجاحه في الانتخابات المبكرة التي باتت ملامحها تلوح في الأفق، إضافةً إلى اقتراب الانتخابات الداخلية لحزبه. فإنّ هذه العملية كسرت رهاناته على تخويف وترهيب المقدسيين، وعلى أنّ انشغال العالم العربي والإسلامي اليوم بعدد هائل من المشكلات من العراق إلى سوريا واليمن وليبيا وغيرها سيبعد الأنظار عن قضية القدس، معتبراً أن هذا هو التوقيت المثالي بالنسبة ل"إسرائيل" والحركات الصهيونية لتثبيت أهدافها في فلسطين. إضافةً إلى كونها صفعةً تلقاها ناتانياهو، ذلك أنّ أحزاب اليمين المتطرفة ستستغل هذه العملية وكل تداعياتها على المستوى السياسي للهجوم على نتانياهو واتهامه بالتقصير وعدم اتخاذ الاجراءات الكافية، وبالتالي كسب المزيد من الأصوات في الانتخابات وسحب البساط من تحت قدميه.

وإذ قلنا إنّ هذه القنبلة أصابت المستوطنين بشظاياها، فذلك لأنها أدبّت الذعر في نفوس المستوطنين المتعجرفين، وكسرت هالة الأمن الشخصي لهم المستند على ظلم وإجرام قوات أمنهم. وذاك لأنه، وبرغم ضعف الإمكانات، تخطيطاً ودقة متناهية في التنفيذ فاجأت المستوطنين وحكومتهم إن لجهة المكان وهو "كنيس" للصلاة، ويقال أنه مبني على جثث شهداء دير ياسين، وإن لجهة الدقة في استهداف حاخامات  من قادة حركة شاس المتطرفة والتي تحرض دائمًا على قتل الفلسطيني، كما أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية. كل هذا دفع بالحكومة الاسرائيلية إلى فرض قانون الطوارئ على المقدسيين وتسهيل رخص السلاح لليهود، وقرار التسريع في هدم منازل منفذي العمليات الأخيرة ودفن جثثهم خارج حدود القدس.
وفي هذا الإطار أتت شجاعة الأبطال، منفذي العملية الأخيرة والعمليات التي سبقتها، لتؤكد رفض مخططات تدنيس المسجد الأقصى وتحويل هذا الأمر على أيدي الصهاينة إلى أمر عادي من خلال الاقتحامات المتتالية له، ويشار هنا أنّ منع هذه المخططات لا يقع على عاتق الفلسطينيين فقط بل واجب على الأمتين العربية الإسلامية أن ترفضاه وتقاوماه بكل السبل.
بالإضافة إلى أنها أظهرت وهم الاسرائيليين بأن القدس باتت خارج القضية الفلسطينية، وبأن التهديد والترهيب يمكن أن يحد من عزم وشجاعة أهلها، أو يرغمهم على الاعتراف بحل الدولتين الاسرائيلية والفلسطينية الذي يصب في نهاية الأمر في مصلحة التيارات الإسرائيلية المتطرفة .فضلاَ أنها أعادت تصويب البوصلة وأكدت أنه مهما طال الاحتلال فإنّ لهذه الأرض أصحاب يقاومون بدمهم وبكل ما توفر لهم من سبل مقاومة حتى يحرّروها ويستعيدوها.

هامش:
مقطع من قصيدة "لا تصالح" للشاعر أمل دنقل
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدامْ  ما بنا طاقة لامتشاق الحسام
عندما يملأ الحق قلبك: تندلع النار إن تتنفَّسْ  ولسانُ الخيانة يخرس
لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام    كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام،  وارْوِ قلبك بالدم،  واروِ التراب المقدَّس واروِ أسلافَكَ الراقدين.... إلى أن تردَّ عليك العظام