القدس تعود من باب المقاومة

القدس تعود من باب المقاومة

تحليل وآراء

الجمعة، ٢١ نوفمبر ٢٠١٤

 أولى القبلتين عادت لتنفض عنها غبار المحتل الصهيوني الغاصب، فالقدس وإن غابت لفترة، تعود دائماً لتذكرنا بأنها ولادة الانتفاضات والثورات، رمز وأساس المقاومة الذي إن سقط تهاوت معه كل القضايا القومية والإسلامية والعربية.
عاد الأقصى بثورة ثالثة، قوامها أراضي العام 1948، ليطيح بتملّق بعض من تناسى المقاومة وأراد لما يسمى حل الدولتين أن يكرّس واقعاً جديداً، كما حصل مرات عدة وأوسلو المثال الأبرز، وليذكّر العالمين العربي والإسلامي الغارقين بالدماء والتطرف أنّ من ليست بوصلته فلسطين لا بوصلة له، وأنّ كل تلك الحركات المتطرفة الهمجية لا صلة لها بأي جهاد إسلامي حقيقي، فالجهاد هو فقط بوجه العدو الصهيوني ومن لف لفه، والمقاومة هي أن يتجرأ المقدسيون ويواجهوا الاحتلال بأكثر الوسائل بدائية، بالقبضة والحجر والسكين والدهس!
وفي زمن غابت فيه سوريا الجريحة عن القضية بسبب مؤامرة عالمية لا تزال تقاومها دمشق العصيّة على الهزيمة، ودُمّر العراق بغزو أجنبي تلاه آخر متطرّف نال من بشره وحضارته، وأضحى في السودان دولتان متحاربتان، ومصر يتنازعها "إخوان" وعسكر، وليبيا القبائل المتناهشة. وفي وقت يُواجه الاستيطان بالتنديد والوعيد، وتدنيس الأقصى يمر مرور الكرام، وجدار الفصل العنصري أضحى كسور الصين العظيم، اعتقدت "إسرائيل" أنّ القضية اندثرت وأنّ الانتفاضة الثالثة لن تقوم لها قائمة، وأنه زمن الاستقرار السياسي والأمني الصهيوني، وشعرت أنّ هذا هو التوقيت المثالي بالنسبة ل"إسرائيل" والحركات الصهيونية لتثبيت أهدافها في فلسطين.
ولكن هيهات، فاجأ الفلسطينيون العالم بإعلانهم خياراً مختلفاً، لا يمت بصلة إلى الواقع العربي المتأزم، ولا يشبه تلك المفاوضات ذات النكهة الأوسلوية التي يخوض غمارها رئيس السلطة محمود عباس وهو يعلم أنها خيار خاسر لن يصل بفلسطين إلا إلى حائط مسدود. كما ابتدع الشعب الفلسطيني نوعاً جديداً من المقاومة، مختلفة عن مقاومة غزة المجيدة التي حققت انتصارات تاريخية، هذا النوع الجديد الذي ذكرنا بمقاومة بيروت وعملية "الويمبي" لا يمكن أن تتحكم به قيادات أو دول، ويمكن لفلسطين أن تستثمره في السياسة والأمن بعيداً عن تواطؤ بعض العرب والقوى الغربية، كما يحصل اليوم في رفح من إطباق للحصار على المقاومة.
هذا الحصار وتلك الخيانة والمتاجرة بالقضية، لا يقفا عند حدود رفح، بل يتعداه إلى الصمت العربي المريب عن تدنيس المقدسات وتحويلها إلى باحات للمتطرفين الصهاينة، في محاولة لجعل هذا التعدي أمرًا طبيعيًا تعتاد عليه الشعوب العربية، في آخر خطوة خبيثة قبل القضاء على القضية التي خُلقت المقاومة في بلادنا من أجلها، وكانت بمثابة مرشدهم الروحي.
ولذا كان هذا الخيار، وكانت هذه المبادرة من بضع شبان سئموا الذل والخنوع والخضوع وتقبيل الأيادي، كما ملّوا رفع شعارات المقاومة والقضية فحولوها واقعاً وأشعلوا ثورة حقيقة لحماية بيت المقدس يبدو أنها لن تتوقف بحلول مجتزأة تتضمن نتائج قاتلة، كـ"حل الدولتين" الذي يتضمن الاعتراف بوجود ما يسمى "دولة إسرائيل"، وبالتالي تفقد المقاومة أولويتها لتتحوّل إلى خيار ثانٍ وثالث، ما سيؤدي بلا شك إلى انشقاق في صفوف المقاومين بين تيار يمكن أن يقبل بهذا الواقع وآخر يرفضه بالمطلق.
هذه الثورة يجب ألا تهدأ، لا بل يجب أن تستغل منسوب التطرّف المرتفع لدى بنيامين نتنياهو الذي يهدف من خلاله إلى سحب البساط من تحت الأحزاب الصهيونية الأكثر تشدداً للفوز في الانتخابات المبكرة. وكلما واجه رئيس حكومة العدو مقاومة المقدسيين بالتدمير والقتل والخراب، عليهم أن يواجهوا بالرصاص والحجارة والدهس. لا يجب أن تنتهي هذه الثورة المجيدة إلا منتصرة.