الشّهاب الشاغوري!.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

الشّهاب الشاغوري!.. بقلم: عبد الرحمن الحلبي

تحليل وآراء

الخميس، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٤

يعرف المتعلم وقد يعرف غير المتعلم أن الفتح الإسلامي لدمشق كان خلال ثلاثة أبواب من أبوابها العريقة تاريخياً هي: باب الجابية الذي دخل منه أبو عبيدة بن الجراح، والباب الشرقي الذي دخل منه خالد بن الوليد، والباب الصغير الذي دخل منه يزيد بن أبي سفيان، وهذا الباب هو الذي يعنينا هنا. فإذا ما تركنا سوق البزورية واتجهنا في سيرنا جنوباً فسنعبر هذا الباب الذي تسميه العامة (باب الحديد) إلى ما يعرف بمصلبة الشاغور، وحين نسير يميناً من هذه المصلبة سنصل إلى شارع ابن عساكر، لكنّا قبل الوصول سنمشي في زقاق ضيق، تشغل جانبيه دكاكين صغيرة ومخابز يدوية أشبه بالتنانير القديمة. وبعد خطوات يسيرة ستواجهنا لوحة معدنية سوداء مثبتة في جدار ترابي، مكتوبة بدهان أبيض (الشّهاب الشاغوري)! فتُصاب بالحيرة مرتين، مرة كيف استطاع معلقو اللوحة تثبيتها في هذا الجدار الترابي الطيني الهش، والثانية وجود اللوحة في مدخل (حارة سَدّ) أي إنها غير سالكة إلا ضمن المسافة المحددة بخطوات معدودة.
لهذه الاعتبارات وأمثالها قد يتساءل محبو المعرفة: من هذا الشهاب الذي تذكروا وجوده فحشروه في هذا المكان من الشاغور مزاز؟! أورده خير الدين الزركلي في الأعلام بمعلومات لا تشفي الغليل ولكنها _ مشكورة _ تدفع بنا إلى البحث والتمحيص. ولنا أن نسأل بإصرار: من هذا الشهاب الشاغوري في شاغور دمشق وزقاقه المزاز؟ والجواب المدني، أعني الاسم الكامل وتاريخي الولادة والوفاة، هو: أبو محمد فتيان بن علي جمال الدين الأسدي النحوي. وقد أضيف إلى هذا الاسم لقب "الشهاب الشاغوري المعلم" ولد سنة 530_ وتوفي سنة 615 هجرية.
   عاش طفولته وشبابه الأول في حي الشاغور من دمشق وأمضى رَدَحاً من حياته العلمية معلماً في الزبداني، إضافة إلى كونه صاحب حلقة للتدريس في الجامع الأموي الكبير، كان فيها يقرئ النحو للمريدين في حلقته التدريسية وهو شاعر. أصدر له مجمع اللغة العربية بدمشق ديوانه من سبعمئة صفحة تقريباً /قطع كبير/ وقام بتحقيقه الأستاذ أحمد الجندي. تم طبع هذا الديوان في المطبعة الهاشمية بدمشق سنة 1976 وقدم له الأستاذ الجندي أيضاً.
   وكان هذا الشهاب رقيق الحال قليل المال، فما يكسبه في التعليم في الزبداني لا يفي بمتطلبات الحياة، لاسيما أنّ الشاعر فيه يقيد بعفة النفس وأمّا المدرس في جامع دمشق الكبير فقد كان تطوّعاً! ثم إنه يعف عن التملق بالمدح. بالرغم من فقره الذي شكا منه شعراً كما شكا من أهل بلده دمشق بسبب هذا الفقر. قال:
أهون هوان الفضل بالشاعر عنده
ألا إنّ ذكر الفضل بالشام خامل
كما شكا من سوء حظّه بقوله:
يا ليت نائم حظّي هبّ منتبهاً
بيقظة منه بعد الفقر تُغنيه
بالرغم من هذا كله كان _ كما يخبرنا المحقق _ يحب اللهو والمرح إلى جوانب الشكوى والترح وقد يبدو هذان الاتجاهان متعاكسين.
   في ديوان الشاعر قصائد مدحية مثبوتة هنا وهناك من الديوان، لكني أراها أشبه ببوالين اختبار من الموجهة إليهم وكأنه على بيّنة من المثل القائل: "على من تقرأ مزاميرك يا داود"!!. ومن الشعر الشهاب الشاغوري هذه الأبيات التي أختتم بها شاكراً ذلك الجدار الطيني الترابي الذي دلّني على هذا الشاغوري القديم الذي قال:

أفدي الذي ما أبى باللحظ سفكَ دمي
لكن متى ما طلبت العطف منه أبى
يبدو بضدّين في خدّيه قد جُمعا
ماءَ الشباب ونار الحسن فاصطحبا
فذلك الماءُ أبكى ناظريّ دماً
وذلك الجمرُ أذكى في الحشا لهبا
شكا فؤادي من عبء الهوى تعباً
كما شكا خصرُه من ردفه تعبا.