الأخلاق نظام الحياة.. بقلم: فادي برهان

الأخلاق نظام الحياة.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٩ نوفمبر ٢٠١٤

الأخلاق والآداب تعبّر عن مدى احترامك لنفسك وللآخرين بآنٍ معاً فعندما تتحلى بالفضيلة والقيمة تترجم تحضرك وتقدمك الفكري والنفسي والأدبي، لأنّ الإنسان يتميز عن باقي الكائنات الحية بالعقل الذي يحكم بدوره بضرورة الانضباط وتهذيب النفس من الشوائب والصفات الذميمة التي تتربص بها نتيجة الخوض في غمار العالم السفلي من المحسوسات والابتعاد عن كل ما هو سامٍ وجوهري وشفاف، وعندما تتداخل في نفسك صفات الرذيلة من التوحش والشبق والغضب والتحايل والشيطنة والنفاق وغيرها وتتمكن من لبّك وتتأصل بسلوكك وتصرفاتك فاعلم أنك بعيد عن التهذيب مغادر لكل فضل مستغرق في عالم أشبه ما يكون بعالم الغابة حيث لا نُظُم ولا مبادئ بل القوي يقتل الضعيف والشرس يسيطر على الأليف، بل إنّ غابة الإنسان أشد وأنكى من غابة الوحوش والحيوانات لأنّ الإنسان بطبعه قادر على استخدام عقله وذكائه في سبيل الوصول لغاياته وهنا يكمن التفوق بينه وبين الحيوان.
 لأن الحيوان يقصد أغراضه بغريزته أما الإنسان فيقصد أهدافه بشيطنته والبون شاسعٌ والفرق واضح بين الغريزة والشيطنة.
فإن أنت أردت أن تكون إنساناً متحضراً أخلاقياً وتترجم الصفات الإنسانية بسلوكك فعليك بتهذيب نفسك والاجتهاد والحرص في صقلها وتنظيفها وتطهيرها من الأوساخ والأدران والرذائل لأنه وكما قال جل جلاله (والذينَ جاهدُوا فينا لَنَهدينّهُمْ سُبُلَنا)1 فإن اجتهدت في تهذيب نفسك نلتَ حصة من المجد الخالد وإن تركتها عبثاً دون ضبط تطاوَلَت واستطالت وانسابت في بحور الرذيلة والجريمة حتى لا يصعب عليها شيء ولا يقف بوجهها حائل فيصبح المرء حينها عبداً لهواه وليس عبداً لله فيأتمر بما أمره هواه فيقتل ويخرّب ويدمّر ويذبح وهو يحسب أنه يحسن صنعاً ويستغل اسم الله في كل ما يرتكب بل وينصّب نفسه ناطقاً أو حاكماً باسمه تعالى فيكفّر مخالفيه ويقرب مبايعيه وأنصاره ويُدخل من يشاء النار وسقر والجحيم ويحرقه بها ويعذبه بشتى أنواع العذاب والشقاء ويدخل من يشاء الجنة ويجمع حوله الآلاف من الحور العين حول أنهار الخمر ويصنف الناس ويحرّض على الشر باسم الشريعة السمحاء التي لم تدعُ يوماً إلا إلى السماحة والفضيلة والمحبة والإخاء بين الجميع.
وعلى هذا علينا جميعاً أن نعترف بأنّ أزمتنا أزمة أخلاقية بالدرجة الأولى قبل أن تكون أزمة سياسية أو عسكرية أو أمنية لأن الشرائح الاجتماعية التي انخرطت في ما سمي بالثورة ضد أهلها ووطنها وشعبها وجيشها وأرادت التخريب واستطاعت قوى التآمر والشر أن تتلاعب بعقولها وأن تأخذها يميناً وشمالاً صوب الخيانة والعمالة حتى شوهت مصطلح المعارضة فتأكد في العقول أن المعارض هو الخائن، لو تمتعت هذه الشرائح بأدنى درجة من الأخلاق والصفات الحميدة أو الخصال النبيلة لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من أن يصبح السوري يوماً على أسرّة مستشفيات تل أبيب يتلقى العلاج ويستعيد عافيته ليعود لإرهاب أهله وتخريب بلده وتدميره، أو أن يعتلي المنابر فيها خطيباً مفوهاً يبرئ إسرائيل من كل ما نسب إليها ويدعو إلى علاقات طيبة معها وينسف كل حقائق الصراع العربي الإسرائيلي ويصف الجلاد بأنه ضحية والضحية بأنها جلاد.
إن ما وصلنا إليه اليوم من تردي الأوضاع وسوء الأحوال الأخلاقية (الإنسانية والنفسية) حيث السوري يقتل أخاه السوري ويتعدى على شعبه وجيشه وأهله وقد تحول من سوري أصيل إلى إرهابي بامتياز لا يحول بينه وبين الموبقات شيء ولا يردعه رادع فيُعمل سكينه في عنق طفلٍ أو امرأة مستخدماً اسم الله صارخاً (الله أكبر) شعار السلام والمحبة والطاعة لله الذي يُفتتح به أذان الصلاة والعيد والجمعة وكلها صلوات على المسلم أن يؤدي واجبه ويبرئ ذمته تجاه ربه، فهل أدى السوري واجبه وبرّئ ذمته عندما قتل أبناء شعبه ؟
إننا اليوم نعيش أزمة أخلاقية لم يسبق لها مثيل في تاريخ شعبنا حيث يُستغل الدين لأغراض إرهابية وتحريضية طائفية تودي بنا إلى الاقتتال وبالتالي إلى الخراب والدمار ونحن أحوج ما نكون للدين الأصيل السمح الذي علمنا السلام وأحوج ما نكون للأخلاق التي بُعث رسول الله (ص) ليتممها حيث وصفه الله سبحانه وتعالى فقال: (إنك لعلى خلق عظيم).
 فلنبدأ من هنا بمشروع أخلاقي إنساني يعيد لنا أمننا وأماننا وهيبتنا بين الشعوب (التي أضحت تستهزئ بعقولنا)، ليرى العالم بأسره أخلاقنا وطيبتنا ومحبتنا لبعضنا فالسوري أخ السوري مهما حدث ويبقى رابط الوطن هو الأقوى من أي روابط أخرى.