ضرورة الأمر الواقع.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

ضرورة الأمر الواقع.. بقلم: د. اسكندر لوقــا

تحليل وآراء

الأحد، ٩ نوفمبر ٢٠١٤

في كثير من الأحيان يضطر المرء إلى اتباع عادة ليست من طبعه أصلاً في الظروف العادية. من ذلك، على سبيل المثال، أن يتعلم الكاراتيه أو الملاكمة أو المصارعة وسوى ذلك من أساليب الدفاع عن الذات عند الضرورة.
أشير إلى هذه المسألة وأنا أقرأ عن سيدة ألمانية تدعى "فايس" بعد أن بلغت الواحدة والستين من عمرها قبل سنوات، وبدأت تتدرب على لعبة الكاراتيه، لأنّها أرادت أن تردع كل من يحاول أو يتحرش بها لأنها، كما تقول، مازلت تحظى بإعجاب الرجال الذين تلقاهم في الشارع أو داخل متجر لشراء حاجياتها اليومية.
وحين تبرر هذه العادة لدى الرجال، تؤكد أنها حقيقة خصوصاً في شارع المدينة التي تقطنها وتكون فيه الإضاءة ضعيفة. ومع أنها تسرّ، بينها وبين نفسها، لأنها لا تزال قادرة على لفت انتباه رجال لا يعرفون شيئاً عنها وعن سنوات عمرها فإنها، في الوقت عينه، كثيراً ما غضبت وأقدمت على ضرب أحد الرجال عندما اقترب منها محاولاً التحرش بها.
إنّ هذه الظاهرة ليست غريبة على أية حال عن دول الغرب عموماً. وكثيراً ما نقرأ عنها في سياق تخطي التقاليد والمفاهيم التي نؤمن بها نحن العرب على أرضية احترام المرأة والحرص عليها، وخصوصاً إذا كانت متقدمة في عمرها ووجب علينا مساعدتها حيثما اضطرت لطلب المساعدة.
ولكن ماذا عن بعض النساء اللواتي غدون في أيامنا الراهنة ضحايا الذين ينظرون إليها نظرتهم إلى سبايا وبضائع قابلة للعرض وللبيع في أسواق النخاسة؟ ماذا عنهن وهن لم يعتدن من قبل على تعلم فنون الدفاع عن النفس كما المرأة الألمانية السيدة "فايس" التي لجأت إلى تعلم الكاراتيه لتدافع عن نفسها عند الحاجة؟
المرأة العربية السورية، التي يخلد تاريخ سورية المعاصر دورها خلال السنوات العصيبة التي حلت ببلادنا، وقاومت مع الرجل جحافل المحتلين، وخصوصاً في زمن الاستعمار الفرنسي، وكانت القدوة بين أبناء وطنها، هذه المرأة، كيف يمكن أن ينظر إليها على أنها مجرد جسد يغري الرجل؟ قد يكون الجواب إنه الرجل الغريب عن مجتمعنا وعن تقاليدنا وعن ديننا. وقد لا يملك أحد جواباً غير هذا عن السؤال. ومن هنا يزداد ألمنا ونحن نشاهد على الشاشات الفضائية رتلاً من نساء وطننا في طريقهن بين مسلح من أمامهن ومسلحة من ورائهن، إلى مكان غير معروف بانتظار ما سوف يلقينه من ضروب العذاب النفسي أو الجسدي وامتهان الكرامة.
وحين ندرك أنّ المرأة العربية السورية لم تكن يوماً بحاجة، من حيث المبدأ، إلى تعلم الكاراتيه أو الملاكمة أو المصارعة وسوى ذلك للدفاع عن نفسها، لم تكن مخطئة أو مقصرة لأنّها لم تكن تتصور أن يوماً سيأتي حاملاً إليها أناساً من أقاصي الأرض ملثمين حاملين سلاح الغدر كما هو حالها اليوم.
iskandarlouka@yahoo.com