أميركا وإسرائيل: حرب «القيل والقال»

أميركا وإسرائيل: حرب «القيل والقال»

تحليل وآراء

الجمعة، ٧ نوفمبر ٢٠١٤

إدارة أوباما أصبحت في منتصف الفترة الرئاسية الثانية، ولم يبقَ أمامها إلا القليل لمغادرة البيت الأبيض، في وقت برز فيه خلاف معلن مع حكومة نتنياهو. وقد ضجّت الصحف بأخبار «القيل والقال» وتبادل الاتهامات بين الطرفين، مع نشر تقارير وتحليلات تضمنت تعابير اتصفت أحياناً بالقسوة والابتذال. وعزا البعض هذا العداء إلى موقف نتنياهو المؤيد للمرشح ميت رومني في انتخابات الرئاسة العام 2012، ما يعني أن استخدام التعابير والكلمات المبتذلة وفضح المشاعر العدائية، جاء ليظهر أن الأمر شخصي، برغم خلفيته الديبلوماسية.
وبالعودة لأسابيع قليلة إلى الوراء، وبعد لقاء نتنياهو - أوباما في واشنطن، صدر عن البيت الأبيض تصريح يحمل عبارات التوبيخ لرئيس الوزراء بعد إعلانه عن مشروع استيطاني جديد في القدس الشرقية والضفة الغربية. وجاء رد نتنياهو سريعاً عندما قال إن الانتقادات التي صدرت عن الولايات المتحدة فشلت في التعبير عن «القيم الأميركية الحقيقية». وأضاف قائلاً إنه طالما أن للفلسطينيين حق العيش في أي مكان يرغبون فيه فوق «أرض إسرائيل»، فإن فمن الواجب عدم حرمان اليهود من هذا الحق نفسه. وقد جاء الردّ على نتنياهو سريعاً من داخل إسرائيل ذاتها، عندما أشار بعض المعلقين إلى أن كلامه غير منطقي، حيث يعرف الإسرائيليون جميعاً أن الفلسطينيين لا يسمح لهم بالعيش في المكان الذي يفضلونه. كما أن المواطنين العرب في إسرائيل محرومون من حق العيش داخل التجمعات اليهودية.
وقد رد البيت الأبيض سريعاً وبتعابير احتجاجية أكثر قسوة، جاء فيها أن كلام نتنياهو لا ينطوي على المنطق وتعوزه الكياسة، مع تذكيره بأن الولايات المتحدة هي التي قامت بتمويل بطاريات صواريخ «القبة الحديدية»، وقامت بتحمل معظم المسؤوليات الدفاعية عن إسرائيل.
وكانت هناك جولة ثانية من العتب وتبادل الاتهامات الأسبوع الماضي عندما قام موشيه يعالون وزير الدفاع في حكومة نتنياهو، بزيارة إلى واشنطن فشل خلالها في ترتيب لقاء مع جون كيري ومستشارة الأمن القومي وكبار مسؤولي وزارة الخارجية. وربما يكون هذا «الازدراء» قد مرّ من دون أن يلاحظه أحد، إلا أن الهدف منه يتصل بالتسريب الرسمي الذي أدى إلى ظهور الخلاف إلى العلن. ومرة أخرى، أوضحت الصحافة الإسرائيلية أن سبب الخلاف يعود للنقد غير الديبلوماسي الذي سبق أن وجهه يعالون لوزير الخارجية جون كيري، عندما اعتبر أنه مصاب بنوع من عقدة «التسلط»، تعليقاً على سعيه لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وهذا ما دفعه إلى الخروج عن طوره في تعامله مع كل من وزارة الخارجية والبيت الأبيض.
وجاءت الحلقة الأخيرة من هذا التراشق غير الديبلوماسي على شكل حوار مع مسؤول كبير في إدارة البيت الأبيض رفض الكشف عن اسمه حيث قال: «من صفات نتنياهو أنه أشبه بالدجاج. وأفضل ما فيه هو خوفه من إعلان الحروب. وأسوأ ما فيه هو أنه لا يريد أن يفعل أي شيء للوصول إلى تفاهم مع الفلسطينيين أو مع أهل السنّة العرب. والشيء الوحيد الذي يهمه هو حماية نفسه من الهزيمة السياسية».
وكانت ردود الأفعال على السجالات الكلامية تلك سريعة وغزيرة ومتواصلة في إسرائيل، وتفاعل معها نتنياهو بأسلوب «المقاتل الجريح» عندما أعلن أنه كان وحده المستهدف منها، في الوقت الذي كان يدافع فيه عن إسرائيل.
وبرغم أن لنتنياهو بعض المدافعين عن سياسته، إلا أن العديد من المعلقين أصبحوا يرفضون تصديق أطروحاته. وقد اتهمه البعض بأنه لم يكتفِ بوضع العلاقات الأميركية - الإسرائيلية في عنق الزجاجة، بل إنه اقترف أيضاً خطيئة عزل إسرائيل عن المجتمع العالمي. كما حَمَّلَهُ هؤلاء بعض المسؤولية عن اعتراف السويد وبريطانيا وربما إيرلندا من بعدهما بدولة فلسطين، ومن تحذير الاتحاد الأوروبي لإسرائيل من مواصلة خططها الاستيطانية في القدس.
ثمة اعتقاد لدى مسؤولين أميركيين سابقين وجماعات مؤيدة لإسرائيل في واشنطن، مفاده أن تل أبيب لن تتقدم خطوات في اتجاه السلام ما لم تُعطَ كل ما تحتاجه لجعلها تشعر بالأمان. غير أن الحقيقة عكس ذلك تماماً. فالضغوط الخارجية وحدها ـ خصوصاً تلك التي تمارسها الولايات المتحدة ـ هي التي دفعت إسرائيل تاريخياً إلى اتخاذ «خطوات صحيحة». فعل هذا جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر عندما رفضا إعطاء قروض مضمونة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق شامير مطلع التسعينيات، كذلك فعل بيل كلينتون عندما رفض مقابلة نتنياهو احتجاجاً على أدائه السياسي في العام 1998، إثر إطلاق جولة مفاوضات جديدة مع الفلسطينيين. وفي الحالتَين، تلقف الإسرائيليون الرسالة وقاموا بعزل قادة «الليكود» انتخابياً، لمصلحة قوى أخرى شكلت حكومات أعادت العلاقة مع واشنطن إلى سكتها السابقة، وقلصت من حدّة السياسات الإسرائيلية حيال عملية التسوية.
قد يكون هذا بالضبط ما تسعى إليه إدارة أوباما حالياً.
وهذا رهان تجد نفسها مضطرة للجوء إليه اليوم. لربما تأخرت في سعيها لتقوية «معسكر السلام» داخل إسرائيل ولوقف جنوح الجمهور الإسرائيلي نحو اليمين. لكن الضغط على تل أبيب حاجة اليوم. لقد كان كيري على حق بربط الصراع ضد «داعش» بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. ومع عبور المفاوضات الأميركية مع إيران مرحلة حساسة، وفي خضم حرب تخاض لتحديد معالم المستقبل في كل من سوريا والعراق، فإن آخر ما تريده أميركا هو مهووس يرمي الزيت على النار في القدس، ويهدد بفعلته بإشعال المنطقة بأسرها.