هبوط أسعار النفط.. حرب اقتصادية أم عرضٌ وطلب؟.. بقلم: د.سمير صارم

هبوط أسعار النفط.. حرب اقتصادية أم عرضٌ وطلب؟.. بقلم: د.سمير صارم

تحليل وآراء

الأربعاء، ٥ نوفمبر ٢٠١٤

هبط سعر برميل النفط إلى ما دون عتبة الثمانين دولاراً للبرميل، للمرّة الأولى منذ أعوام. ما بدا أنّه "انهيار" متواصل في سعر النفط العالمي ولّد كثيراً من التحليلات التي تُرجع هذه الحالة إلى قرار سياسي– اتّخذته واشنطن وتنفّذه السعودية- بضرب اقتصاديات روسيا وإيران عبر تقليص إيراداتهما النفطية.
وما لا ينتبه إليه العديد من الكتّاب الذين يقصرون تحليلهم للأسعار على النيات السياسية، هو أنّ تسعير النفط ينطوي على معادلات معقّدة وحدود قد يؤدي تجاوزها إلى نتائج عكسيّة. هناك دائماً عتبات سعريّة تؤدي إلى تحوّلات بنيوية في السوق إذا ما تأرجح سعر النفط بشكل كبير، صعوداً أو نزولاً.
 ففي حربها الحالية ضد إيران وروسيا، لا تحتاج الولايات المتحدة لاستقدام تعزيزات أو بناء تحالفات. كل ما عليها فعله هو استغلال التطورات الاقتصادية والتغييرات التي طرأت على السوق النفطية، بتدخل سعودي مباشر، من أجل شنّ معركة جديدة، تحقق من خلالها انتصارات على المستوى السياسي.
انطلاقاً من هذه النظرية، وبعد تحليل انخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية وموقف السعودية والولايات المتحدة منه، خلص العديد من الوسائل الإعلامية الغربية والأميركية، إلى أنه رغم النتيجة السلبية لانخفاض الأسعار، إلا أنّ الولايات المتحدة كانت مرتاحة لهذا الموقف، لأنّ انعكاساته الإيجابية أكبر من انعكاساته السلبية، كما توصل البعض إلى خلاصة أخرى مفادها أنّ «أميركا تخوض اليوم حرباً نفطية عالمية».
 وهناك إجماع بين المراقبين على أنّ العقوبات الاقتصادية على روسيا والتي تعززت تدريجياً منذ «اجتياح» أوكرانيا في بداية الصيف، بدأت تقضم من احتياطي العملات الأجنبية الذي تتمتع به موسكو والذي راكمته طوال العقد الماضي. (حالياً يبلغ حائط الدفاع هذا 450 مليار دولار، مبلغ محترم يعكس موقع روسيا الطاقوي، غير أنّه لا ينفي أنّ أداء الروبل كان الأسوأ عالمياً خلال الأشهر الثلاثة الماضية).
ويأتي تراجع أسعار النفط اليوم، ليزيد من الهموم المالية لموسكو التي تُعدّ لدفعات دسمة على دينها العام في هذا الموسم (كما في الربع الأخير من كلّ عام) والتي كانت قد صاغت توقعاتها الاقتصادية وخطت موازنتها بناءً على سعر للنفط عند 90 دولاراً للبرميل بالحد الأدنى؛ (في الأساس تعتمد روسيا على الموارد الأولية لتأمين نصف ميزانيتها السنوية).
 تأثر إيران يبدو أخف نسبياً لكونها استفادت أخيراً من الانفراج الذي أحدثته المحادثات مع الولايات المتّحدة حول برنامجها النووي وتحرير مليارات الدولارات من أموالها المحجوزة. كذلك انتعشت نتيجة حصولها على المعدات التكنولوجية الأساسية لإعادة تأهيل قطاعات أساسية عانت الجفاء مع الغرب، أبرزها قطاع الطيران.
 غير أنّ نار النفط لا تلسع فقط الروبل والريال والاقتصادين الإيراني والروسي، إذ وبنتيجة تراجع الأسعار هناك تحولات في السوق الأميركية نفسها: (عندما يتراجع سعر النفط تتأثر ميزانيات الشركات الصغيرة ما يفتح شهية الشركات العملاقة صوب الاستحواذ وتعزيز مكانتها السوقية).
 ومؤخراً نشرت صحيفة «برافدا» الروسية، مقالاً بعنوان «أوباما يريد من السعودية أن تدمّر الاقتصاد الروسي»، أشارت من خلاله إلى أنّ «هناك سابقة في هذا المجال، وهي حين أدت أعمال مشتركة مشابهة (بين السعودية وأميركا) إلى انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1985». فبحسب «برافدا»، «قامت حينها المملكة برفع إنتاج النفط من مليوني برميل إلى 10 ملايين في اليوم، ما أدى إلى انخفاض الأسعار من 32 دولاراً إلى 10 دولارات للبرميل».
 النتيجة التي توصلت إليها المقالات، هي أن تصرفات السعودية والولايات المتحدة ستؤدي إلى «جعل حياة روسيا وإيران صعبة، فيما تتواجهان مع طرفي الأزمة أيضاً، في سورية».
 من جهتها، رأت صحيفة «لوس انجلس تايمز» أنّ الانخفاض في أسعار النفط العالمية، مدفوعاً جزئياً بطفرة في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدّة، يهدّد بضرب الاقتصادات المصدرة للطاقة كروسيا وإيران، ما يجعله مؤثراً عليهما أكثر من العقوبات الاقتصادية الغربية.
 وأوضحت الصحيفة في مقال لبول ريختر، أنّ «انخفاض أسعار النفط يأتي في وقت قامت فيه أوروبا والولايات المتحدة بمعاقبة المصارف الروسية وشركات الدفاع والطاقة، بسبب الأزمة الأوكرانية».
أما «الاقتصاد الإيراني الذي عانى لسنوات بسبب العقوبات الاقتصادية، فقد استعاد جزءاً من حيويته خلال الأشهر الأخيرة».
خلاصة الكلام هي إنّ أي انخفاض في أسعار النفط له ارتدادات على مستوى البلدان والأسواق من الشرق إلى الغرب. هذه المرّة يبدو أنّ هناك تنسيقاً بين واشنطن والرياض لإغراق السوق وإيلام الأعداء؛ قد لا يكون التنسيق صريحاً ومباشراً غير أنّه يفيد الطرفين من دون شك.