فقه الأزمة.. بقلم: فادي برهان

فقه الأزمة.. بقلم: فادي برهان

تحليل وآراء

الأربعاء، ٥ نوفمبر ٢٠١٤

لعل من أبرز وجوه الأزمة السورية المفتعلة التي حاولت قوى التآمر زجَّ المجتمع السوري في أتونها هو الفتنة الطائفية والمذهبية التي إذا انزلق المجتمع السوري _على تنوعه_ في قلبها لن يخرج منها إلا مدمراً وسيُمنى بخسارة لن تعوض في المدى المنظور بل وعلى امتداد الأجيال القادمة، فالقوى التي تربصت بسورية وشعبها شراً لم تترك حيلة ولا وسيلة إلا وحاولت استخدامها لتفكيك أواصر الأخوة وحل عرى المحبة بين أبناء الشعب، وخاصة أن سورية بلد التسامح والعيش المشترك العامل الأساس والسبب الرئيسي في الصمود والتصدي لكل ما واجهها من حلقات الغدر، ولذا عملت تلك القوى لضربه بكل ما أوتيت من خبث فاستغلت كل ما يمكّنها من إثارة الفتنة والتحريض الطائفي لشق الصف وتقسيم المجتمع السوري تمهيداً لتقسيم سورية ككل وعلى كافة الأصعدة طائفياً وقبائلياً وعشائرياً... وصولاً لتقسيمها جغرافياً.
من هنا ومن باب المسؤولية الشرعية تنبهت وزارة الأوقاف مشكورةً لكل تلك المحاولات الخبيثة وأصدرت كتاب (فقه الأزمة) مستبقةً الحدث ومستشعرة المستقبل بحدسها الرفيع واستشرافها الحساس ليقف _هذا الكتاب_ حصناً منيعاً وسداً عالياً في وجه مثيري الشغب، وكما قال أمير المؤمنين علي (ع): إذا ظهرت الفتن فعلى العالم أن يظهر علمه.. فقد أظهرت الوزارة علمها قبل ظهور الفتن، ليحل العلم محله الطبيعي فيطرد الجهل وينتشر الوعي في العقول فيرحل التخلف ويتسع أفق التفكير لنخرج من أزقة التعصب إلى فضاء الانفتاح والمحبة والتسامح والفضيلة. مضافاً لذلك فقد رسمت الوزارة _بإصدارها فقه الأزمة_ إستراتيجية خلاقة بعيدة المدى تهدف لتكريس المرجعية الدينية السورية الشامية الشاملة والأصيلة والتي لا تقل أهمية عن مرجعية الأزهر الشريف في مصر أو النجف الأشرف في العراق أو مرجعية الفاتيكان، مع كامل احترامنا وتقديرنا لكل مرجعيات العالم، فسورية وعلى مرّ التاريخ كانت ومازالت مهد الديانات ومهبط الوحي وحاضنة المرجعيات الدينية الحضارية.
ففيها دفن الشهيد الأول النبي هابيل (ع) وفيها عاش أبو الأنبياء إبراهيم خليل الله الذي استقر في قرية لحى (قرية صيدنايا اليوم) ما يفوق السنوات الخمس، وفي جنوبها (فلسطين) عاش داوود وسليمان (ع) وولد المسيح (ع) وفي جنوبها (الأردن) عاش لوط (ع) ومنها انطلق الرسول بولس ليبشر بالمحبة، وفيها دفن النبي يحيى (ع) والسيدة زينب وسكينة ورقية (ع)، وفيها مقام عين الزمان (ع) (في محافظة السويداء) ومنها انطلقت الدعوة الإسماعيلية على يد عبيد الله المهدي في منطقة السلمية بحماة وفيها عاش الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، وفي أرضها الكثير من الأنبياء والأولياء والقديسين والصالحين الذين يستحيل علينا إحصاؤهم، وفيها أيضاً الكرسي الرسولي لبطريرك إنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس والكاثوليك والسريان على حد سواء، وفيها مشيخة عقل طائفة المسلمين الموحدين العليا والتي تشمل مشيخات لبنان وفلسطين والزرقاء في الأردن، ومنها أيضاً انطلق علماء جبل عامل وفي مقدمتهم سماحة الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي كمفكر ومصلح إسلامي وداعية تقريب شهد له أعداؤه قبل أصدقائه وكذلك سماحة الإمام السيد محسن الأمين كمرجع مفكر وعالم عامل أسس المدرسة المحسنية التي تخرّج منها أغلبية عباقرة ومفكري سورية.
 من هنا وانطلاقاً من أنّ سورية المباركة تحتضن كل ما ذكرناه من مراكز ثقل في تنوعات دينية ومذهبية وتشكل شمس إشعاع تبث نورها العلمي والمعرفي والثقافي الأصيل والمعتدل _بالرغم من كل ما يكيده المرجفون_ فقد قامت الوزارة بوضع الخطة التاريخية التي تهدف لصناعة وتأصيل المرجعية الدينية السورية لتكون وساماً وامتيازاً على صدر الوطن وليعلم العالم كله من أقصاه إلى أقصاه أن القرار الديني وعلى كافة المستويات إنما يصنع في سورية بلد التسامح والتضحية والعطاء والاعتدال ومهما حاولت الدوائر المخابراتية الغربية والرجعية العربية أن تصنع حركات إرهابية متشددة ومتطرفة تعيث في الأرض فساداً فمحاولاتها قد باءت بالفشل لطالما أن عقولاً نيرة وضمائر حية تقود سورية إلى بر الأمان وتتصدى لكل محاولات تشويه الدين بالحكمة والموعظة الحسنة.