عين عرب.. بوابة المنطقة العازلة

عين عرب.. بوابة المنطقة العازلة

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٤ نوفمبر ٢٠١٤

 لم تكن مواقف عين عرب لتختلف عن مواقف أغلب أكراد سورية في الإعلان مبكّراً عن تأسيس وحدات حماية الشعب الكردية التي جاءت بمثابة التعبير عن طموحات الأكراد في إقامة الدولة الكردية، عبر إنشاء الكانتونات كمقدمة لربط هذه الدولة في يوم من الأيّام.

لست هنا بصدد الدخول في مقاربة تاريخيّة وسياسيّة لموضوع الدولة الكرديّة ومواقف الأحزاب والقوى الكرديّة ممّا جرى ويجري في سورية وإصطفافات الأكراد، رغم تداخل الوقائع الميدانيّة في كوباني وارتباطها الوثيق بخلفية المواقف الكرديّة والتي رغم كل ما يجري ما زالت تتعاطى بخلفية تحمل الكثير من الرغبة في الإنفصال على غرار ما يفكر فيه اكراد اقليم كردستان العراق.

أمّا لماذا ستشكّل كوباني بوابة العبور الى المنطقة العازلة، فلأنّ الأمر يندرج في سياقٍ بدأت ملامحه بالظهور وهو يستند الى محرّمات اميركا الثلاث أو ما يُعرف بخطوطها الحمر في المنطقة: "إسرائيل" – النفط – والأكراد.

وللتذكير فإنّ العلاقات بين الأكراد والإسرائيليين تعود للعام 1963 عندما كان الأكراد في حالة مواجهة مع العراق، وطوال 13 عاماً لم تتوانَ "إسرائيل" عن دعم الأكراد بالمستشارين والمدربين والسلاح، وكان ذلك يتم بدعم مباشر من ايران، واستمر الأمر حتى سنة 1975 عندما اتفق شاه ايران مع العراقيين عبر اتفاق ينهي حالة النزاع، وكان ذلك على حساب الأكراد.

مع بداية الغزو الأميركي للعراق عادت العلاقات الإسرائيلية الكردية لتزدهر من جديد ويبدأ الاسرائيليون مجددًا بتدريب البيشمركة والمساعدة في تنظيم اجهزة الإستخبارات التركية، ولم يقتصر الأمر على الناحية العسكرية والأمنية رغم عدم إعلان العلاقة بشكل رسمي بين الطرفين، لترتقي الى تبادل الزيارات بين وفود متخصصة في المجال الزراعي والصناعي.

كل ذلك كان يتم برعاية ورضى اميركي ويرتبط بمخططات أميركا بشأن المنطقة والتي تمّ تطويرها أكثر من مرّة لتصل الى ما تشهده المنطقة حالياً، ورغم أن الأميركيين ما زالوا يعلنون تحفظهم على إعلان دولة كردية مستقلة بعكس الموقف الإسرائيلي المعلن والواضح.

وبغض النظر عن التحفظ الأميركي والموقف الإسرائيلي العلني، فإن الأمر بحسب مسار الأمور يساهم في إرساء دويلات وإمارات مذهبية وقومية وإثنية.

اما لماذا هذه المقدمة في الوقت الذي تحصل فيه معارك شرسة حول عين عرب (كوباني) بين تنظيم "داعش" والوحدات الكردية المدافعة عن المدينة، فالأمر مرتبط بمسار يجب إستعراضه بدقة للوصول الى ما تتوخاه أميركا وحليفتها "إسرائيل".

يبدو واضحاً أنّ ما يجري في عين عرب يتم ضمن معايير إدارة أميركا للمعركة وفي سياق ترغب أميركا أن يصل الى حيث تريد وبالنتائج المرسومة.
لم يعد خافياً أنّ "داعش" هو صنيعة أميركا وان كل ما يحصل في مواجهة "داعش" من ضربات جوية وغيرها يدخل ضمن التمثيلية الأميركية التي كان لابد من ذريعة للبدء في تمثيلها.

بدأت أميركا تنفيذ ضرباتها الجوية بالتزامن تقريباً مع بدء "داعش" تقدمه بإتجاه المنطقة الكردية في شمال الرقّة.

"داعش" الذي سلك طرقات تقدم بعشرات الكيلومترات ومن أكثر من إتجاه وبقوات كبيرة تضم أعداداً كبيرة من الدبابات والمدفيعة والسيارات رباعية الدفع، وعلى طريقة تقدم الجيوش النظامية التي تتقدم عادة بأرتال كبيرة.

وكان بإستطاعة أميركا عبر طائراتها الحديثة أن تدمر هذه الأرتال بسهولة وهو أمر فعلته أميركا مع الجيش العراقي عندما احتل الكويت وكذلك عندما احتلت العراق.

اما لماذا لم تقم أميركا بتنفيذ ضربات قاتلة بتنظيم "داعش" فلأن أميركا تريد تبرير التدخل بذريعة الوحش الذي لا يُقهر عبر ضربات من الجو فقط.
خلال الفترة السابقة كنا أمام أكثر من نموذج للمساعدة الأميركية للمقاتلين الأكراد في كوباني ومنها رمي الذخائر والأسلحة من الجو والذي ادى الى سقوط عدد كبير من الأسلحة والذخائر في منطقة "داعش" رغم قدرة الطائرات الأميركية على إنزال الأسلحة والمعدات في النقطة التي تريدها عبر إختيار يوم صافٍ وخالٍ من الرياح.

في هذا الوقت كانت المفاوضات حول إدخال قوات من البيشمركة التابعة لإقليم كردستان تصل الى خواتيمها وليدخل كوباني منذ أيام 150 ضابط وعنصر من قوات البشمركة مزودين بعدد قليل من مدافع الهاون والراجمات الخفيفة 107 ملم وعدد من الرشاشات الثقيلة وبعض القواذف المضادة للدروع.

بمعزل عن المواقف السياسية من الأكراد، فإنّ أكراد كوباني سطّروا بطولات حقيقية في مواجهة "داعش" واستطاعوا إلحاق خسائر فادحة في صفوفهم.
والملفت للنظر أنّه خلال يومين إستطاعت وحدات البيشمركة أن تُحدث تحولاً في سير المعارك وخصوصاً على الجهة الغربية حيث استطاع المقاتلون الاكراد ان يحرروا مساحة كبيرة في الجهة الغربية ومنها قرى منياز وعبروش ومزرعة العامود ومزرعة الصغير.

كما أن القوات الكردية إستطاعت اليوم محاصرة قوة من داعش (حوالي 80 مقاتل) في حي الصناعة وقيام مجموعات أخرى باستهداف دبابات ل"داعش".

أما لماذا تم تحقيق التقدم في الجهة الغربية فلأنّ انسحاباً مفاجئاً ل"داعش" قد تم، ما مكّن القوات الكردية من التقدم.

عسكرياً لا يمكن لقوة من 150 مقاتل، وهو عدد قوات البيشمركة التي دخلت كوباني، أن تُحدث تحولاً ميدانياً بالشكل الذي حصل اليوم والبارحة، وبرأيي كان لا بد من تقديم نموذج يعوّل عليه لتوسيعه وتعميمه كتجربة في المستقبل القريب والبعيد.

واذا كانت القوات الكردية تجد صعوبة في الدفاع عن كوباني بعدد المقاتلين الحالي، فإن تحرير 360 قرية كردية سيطر عليها تنظيم "داعش" قبل وصوله الى عين عرب سيحتاج الى آلاف المقاتلين، وهو أمر يمكن أن يحصل خصوصاً أنّ رئيس إقليم كردستان مسعود برازاني أبدى استعداده لرفع العدد وزيادته بحسب الحاجة.

وربما تكون الرغبة الأميركية في إقامة مناطق عازلة متعددة تعتمد اللون القومي او المذهبي للمناطق الحدودية، فيتم دفع الأكراد الى المناطق الكردية والقبائل السنية بحسب تعبير اوباما الى المناطق السنية.

إن ما يجري في عين عرب ليس مجرد مسار ميداني عسكري بحت تحاول أميركا حتى اللحظة ان تعنونه بعنوان المعاناة الإنسانية، وهو ما سخّرت له العديد من وسائل الإعلام بحيث اصبحت كوباني قضية كونية وعنواناً كبيراً.

لن أدّعي أني املك كامل الحقيقة ولكني ادعو الى مراقبة الأمر بحرص ودراية ودقة، فقد يكون ما يجري في عين عرب هو المدخل للكثير من التحولات خصوصاً ان القيادة السورية وصفت دخول قوات البيشمركة الى كوباني بأنه انتهاك للسيادة السورية، وهو موقف يجب التأسيس عليه والذهاب الى إجراءات مناسبة والتحضر لمواجهة المرحلة المقبلة التي لم تعد ملامحها خافية على المتابعين والمراقبين.