الخطاب الناري المضاد وتعويم ثقافة الحياة..بداية لابد منها لإنقاذ الشباب من الخطاب التكفيري والفكر الجهادي

الخطاب الناري المضاد وتعويم ثقافة الحياة..بداية لابد منها لإنقاذ الشباب من الخطاب التكفيري والفكر الجهادي

تحليل وآراء

الأحد، ٢ نوفمبر ٢٠١٤

الأزمنة| كميل العيد
تسعى التنظيمات التكفيرية المتطرفة لجذب الشباب إليها من خلال الترويج بأنها هي التي تطبق القواعد والسلوكيات وفقاً لتعاليم الإسلام وهي التي ستحقق لهم السعادة في الدنيا وفي الآخرة ولأن معرفة الشباب الصغير بالدين غالباً ما تكون سطحية فهم لا يشككون في سلطة مدرسيهم ويصدقون ما يقال لهم ولاسيما بعد أن ينخرطوا ويلتحقوا في هذه التنظيمات.
والسؤال الأهم هل العامل الديني وفتاوى التنظيمات التكفيرية المتطرفة وراء التحاق الشباب بهذه التنظيمات، ومن ثم هل يكفي الخطاب الديني المضاد للحد من انخراط الشباب في هذه التنظيمات.
إنني وبحسب متابعتي لهذه القضية أرى بأنّ الجانب النفسي وشعور الشباب بالدونية وعدم أهميتهم وعدم قدرتهم على التمييز قد تم استغلالها بمهارة من قبل الماكينة الإعلامية للتنظيمات التكفيرية ولاسيما ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية فقدمت للشباب خطاباً نارياً جهادياً يرتكز على فتاوى دينية يستمرئ بها الشباب ويرى فيها ضالته وطريقه إلى المجد والبروز. وإذا كنت أقول بأن العامل النفسي هو الأهم فإنّ هذا العامل له أوجهه المختلفة والتي منها استغلال التنظيمات التكفيرية للإخفاقات الشخصية عند الشباب وشعورهم بانحطاط القدر وانسلاخهم الاجتماعي نتيجة لمخالفتهم أعراف المجتمع، والأهم من هذا وذاك توظيف هذه التنظيمات للمصاعب والأحوال الاقتصادية الميئوس منها وحالات الإيذاء التي يتعرض لها بعض الأفراد أو ذويهم أو ناسهم لأجل تجنيد هؤلاء الأفراد وتحويلهم لجهاديين.
إنّ التنظيمات التكفيرية لعبت على الهوية المنسحقة بمهارة وعرفت بأن الفكر المتطرف يوفر علاجاً نفسياً سريعاً للإحساس بالدونية وفقدان الأهمية فعومت أفرادها وزرعت في نفوسهم حب العدوان والجنس للتعويض على فشلهم الاجتماعي وأخذت هذه المنظمات تدرب عناصرها على فنون التوحش وشوكة النكاية وسحق الآخر وهي بذلك تحقق هدفين في آن واحد الأول هو ترهيب من يخالفها الرأي والثاني إعطاء الثقة لعناصرها بوجودهم.
والذي لا يغيب عن بال الجميع بأن هذه التنظيمات ولاسيما ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية لم تغفل عن دور الجنس في تحقيق الذات فكافأت عناصرها بالسبايا وفتحت مكاتب الزواج من المجاهدين وهي تضغط من أجل إجبار العائلات على تزويج بناتهم من المجاهدين.
وإذا عدنا للشأن السوري فتجدر الإشارة بنا إلى أنّ التنظيمات التكفيرية وإن كانت قد وصلت إلى بعض الأفراد في الداخل السوري قبل أن تعصف الأزمة بالبلاد فإن هذه التنظيمات وبسبب انعدام العامل النفسي ووجود الأمل الذي أحيته الدولة السورية عند الشباب السوري بالمستقبل البراق أقول إنّ هذه التنظيمات فشلت قبل الأحداث في تسويق نفسها رغم كميات المال الذي ضخته وهي إلى اليوم مازالت عاجزة عن تأمين انتحاريين سوريين على الرغم من تغير البيئة وتأثر الحواضن الشعبية بالأزمة لذلك تلجأ هذه التنظيمات ولاسيما تنظيم داعش وجبهة النصرة إلى دول الجوار والسعودية لتأمين حاجتها من الانتحاريين.
إنّ فهم عوامل الجذب التي تستخدمها التنظيمات التكفيرية لتجنيد الناس وفي ظل الإمكانيات الكبيرة المتوفرة بين يديها يدفعنا إلى البحث عن آليات جديدة للتصدي لعوامل الجذب هذه وإني أرى بأن الخطاب الديني المضاد على أهميته لا يحتل الأولوية في آليات التصدي فالنص الديني يقبل التأويل والتفسير والاجتهاد وكل يفسره على هواه وبالتالي لا بد من الذهاب أبعد من ذلك في وضع آليات التصدي للفكر التكفيري والتي منها:
1- توجيه خطاب ناري يمجد الوقوف ضد الشر الذي يمقته الله وضد من يقف وراءه .
2- بث ثقافة الحياة والتأكيد بأن الأهل والزوجة والأولاد والعائلة والقبيلة بحاجة لأفرادها فوق التراب وليس تحته، بحاجة لهم أحياء لا أموات، فالأنبياء والرسل توقف عطاؤهم بموتهم وانتقالهم إلى الآخرة.
3- إعادة البحث في مناهج التعليم تدريس الثورات وما ألحقته من أضرار بمجتمعاتها ولاسيما الثورة الفرنسية وكيفية انتصار قوى الخير على قوى الشر وتحويل هذه المجتمعات من مجتمعات تكفير إلى مجتمعات تفكير.
4- لقد فعلت حسناً الدولة السورية عندما سحبت الكثير من الشباب السوري الذي وجد نفسه داخل هذه التنظيمات وقامت بتسوية أوضاعهم وأعطتهم السلاح لحماية ممتلكاتهم وأهلهم وكذلك عندما شكلت قوى الدفاع الوطني وكتائب البعث وغيرها ودفعت الشباب للانخراط بالشأن الوطني رغم المآخذ الكثيرة على الكثير من هذه القوى والمرحلة الحالية تتطلب إعادة صياغة العلاقة داخل هذه القوى وبث روح الوطنية بينهم والأخلاق العالية وحب الناس بعيداً عن أي فعل يندرج تحت مسمى العمل الشرير بينها وبعيداً عن عمليات التعفيش واستفزاز الناس والإساءة لهم.