الوقت ينفذ.. حسب التوقيت الأوروبي.. بقلم: إيفلين المصطفى

الوقت ينفذ.. حسب التوقيت الأوروبي.. بقلم: إيفلين المصطفى

تحليل وآراء

الأحد، ٢ نوفمبر ٢٠١٤

Evlism86@gmail.com
ليس غريباً أنّ الفوضى التي يعيش العالم في كنفها لم تعد تقتصر على قارة دون أخرى، وإن كان البعض يعتقد أن لعنة النفط الرخيص تصب بنيرانها على اقتصاد العالم العربي فإنّ اقتصاد الدول الغربية وخاصة الأوروبية منها لها مصائبها الاقتصادية التي تتلاءم مع سياساتها. وبالتالي فإنّ ما يحدث يؤكد بأنّ حالة الاقتصاد العالمي ليست جيدة، ربما تكون الأخبار الواردة من الولايات المتحدة وبريطانيا إيجابية نوعاً ما، لكن الاقتصاد الياباني يعيش معاناة كذلك فإنّ الاقتصاد الصيني ينمو ببطء أكثر مما كان عليه منذ عام 2009، ولا نغفل أن نشير هنا مرة ثانية إلى وباء إيبولا الذي قتل الآلاف غرب إفريقيا وخلق حالة من الذعر انعكست على الاقتصاد العالمي، ومع ذلك فإنّ التهديد الاقتصادي الأكبر يأتي من القارة الأوروبية.
فبينما يتعثر النمو قليلاً في ألمانيا نجد أنّ منطقة اليورو تميل باتجاه تسجيل ثالث ركود لها خلال ست سنوات بعد أن بدد قادتها عامين من الراحة منحهم إياها ماريو دراغي رئيس البنك المركزي الأوروبي الذي تعهد بالقيام بكل ما يلزم لإنقاذ العملة الموحدة، وبما أنّ يداً واحدة لا تصفق إلا أنّ القادة والمسؤولين الاقتصاديين في فرنسا وإيطاليا مازالوا يتهربون من الإصلاحات الهيكلية في نظامهم الاقتصادي، بينما يصر الألمان على المزيد من التقشف يضاف إلى ذلك انخفاض الأسعار في ثماني دول أوروبية، وتراجع إجمالي معدل التضخم في منطقة اليورو إلى 0.3% وجميع هذه المؤشرات الاقتصادية تدل على أنّ المنطقة التي تشكل خمس الناتج العالمي تسير باتجاه الركود وانكماش الأسعار، لكن هذه التنبؤات لا تلقى أي اهتمام من قبل المتفائلين من الاقتصاديين داخل وخارج أوروبا حيث يستندون في تفاؤلهم إلى تجربة اليابان كمثال على ذلك حين أصيب اقتصادها بانكماش الأسعار (Deflation) في أواخر التسعينيات إلا أنّ العواقب حينها لم تكن مروعة لها وللاقتصاد العالمي. لكن حدوث ذات الأمر في منطقة اليورو يعرضها لمخاطر جمة بعكس اليابان فمنطقة اليورو ليست حالة منفردة، فمثلاً من الصين إلى أميركا فإنّ التضخم ينخفض ويتراجع بشكل مثير للقلق وعلى العكس من اليابان التي تتمتع بكونها مجتمعاً متجانساً لكن منطقة اليورو لا يمكن الحفاظ على تماسكها جميعاً خلال سنوات من التجمد الاقتصادي وانخفاض الأسعار، ولا يمكن أيضاً تجاهل ارتفاع عبء الديون من إيطاليا إلى اليونان الأمر الذي يثير مخاوف المستثمرين ومؤشر قوي على أنّ منطقة اليورو عاجلاً وليس آجلا ستنهار.
ومن المفارقات أنّه بالرغم من أنّ العديد من الأوروبيين وخاصة الألمان تربوا على الخوف من التضخم إلا أنّ الانكماش يمكن أن يكون مروعاً بشكل أكبر، وفي حال توقع الناس والشركات بأنّ الأسعار تتجه للانخفاض فإنهم سيتوقفون عن الإنفاق وكذلك الطلب وسترتفع نسبة العجز عن تسديد القروض وذلك ما حدث في الكساد الكبير خاصة في ألمانيا حيث كانت النتائج وخيمة في أوائل 1930.
إنّ ما يثير القلق أنّه من بين 46 دولة التي تضع بنوكها هدفاً للتضخم بأن يكون بنسبة 2 % فإن 30 دولة منها وصلت نسبة التضخم فيها إلى حد أقل، بعض الانخفاض في الأسعار مرحب به، كذلك تراجع أسعار النفط بشكل خاص يعطي المستهلكين دعماً في أجورهم لكن انخفاض الأسعار والأجور يعود لضعف الطلب في الاقتصاد، وتقريباً فإنّ 45 مليون عامل هم عاطلون عن العمل في بلدان منظمة التعاون والتنمية الغنية.
إنّ التهديد الذي يشكله انخفاض التضخم العالمي يعد سبباً جيداً لمعظم البنوك المركزية لتحافظ على سياستها النقدية المتساهلة. وعلى المدى الطويل فإنّه يجب التوجه لإعادة النظر في وضع هدف تضخم أعلى بدل 2% مثلاً تصبح 3% لكن المشكلة الفورية تكمن في منطقة اليورو، إذ يملك اقتصاد القارة الأوروبية الكثير من نقاط الضعف الكبيرة الكامنة بدءاً من ضعفها الديموغرافي حتى ديونها الثقيلة وجمود أسواق العمل فيها لكن أيضاً لديها أخطاء سياسية ضخمة منها تجنب كل من فرنسا وايطاليا وألمانيا القيام بإصلاحات هيكلية لتعزيز النمو. إنّ منطقة اليورو معرضة بشكل خاص لانكماش الأسعار وحتى الآن فإنّه من بين الاقتصادات المنكمشة فإنّ ألمانيا مازالت مهووسة بتخفيض العجز لكل الحكومات، وبالرغم من محاولة البنك المركزي الأوروبي إقناع الناس بأنّ الأسعار ستتوقف عن الانزلاق فإنّ انحدار المنطقة تجاه الانكماش يبدو احتمالاً مرجحاً. كما بدأت تظهر إشارات الإجهاد والتعب على الأسواق والسياسة. حيث ارتفعت عوائد سندات الدين بشكل حاد في اليونان نتيجة لازدياد شعبية حزب سيريزا اليساري الصاعد. كما أنّ فرنسا وألمانيا تتبادلان ضربات خطابية من خلال مقترح الميزانية الجديدة القادمة من باريس.
وبالتالي. إذا أرادت أوروبا أن تمنع اقتصادها من أن يزداد سوءاً يتوجب عليها أن توقف سلوكها المدمّر للذات حيث يحتاج البنك المركزي الأوروبي للبدء بشراء سندات سيادية، ويتوجب على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن تسمح لايطاليا وفرنسا بإبطاء وتيرة التخفيضات في الميزانية في المقابل فإنّ هذه البلدان يتوجب أن تسرع من عملية الإصلاحات الهيكلية. حيث يمكن لألمانيا أن تقترض المزيد من المال بمعدل فائدة حقيقية سلبية ويمكن أن تنفق المزيد من المال لبناء بنية تحتية في بلادها، ذلك من الممكن أن يساعد لكنه ليس كافياً، هناك حاجة لشيء جذري، المشكلة بأنّ القانون الأوروبي يحظر العديد من الحلول الموجودة في الكتب مثل مشتريات البنك المركزي الأوروبي للسندات الحديثة الصادرة عن الحكومة. إنّ أفضل خيار قانوني لمضاعفة الزيادة الهائلة في الإنفاق على البنية التحتية هو بشراء السندات من قبل البنك المركزي الأوروبي.
وبالتالي فإنّ البنك الأوروبي للاستثمار يمكن أن يطلق استثمارات واسعة بقيمة (300 مليار يورو أو 383 مليار دولار) للاستثمار في مشاريع سريعة عبر الحدود مثل السكك الحديدية والشبكات الكهربائية الأكثر تكاملاً وجمع المال من خلال إصدار السندات التي يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن يشتري في السوق الثانوية. وهناك إمكانية أخرى تتمثل في إمكانية إعادة تعريف قواعد العجز الأوروبي باستبعاد الإنفاق الاستثماري الذي يسمح للحكومة أن تدير عجز ميزانية أكبر بتوفير مساندة مع البنك المركزي الأوروبي.
خلف كل هذا تتموضع مشكلة الإرادة السياسية حيث يبدو أنّ السيدة ميركل والألمان يستعدون لاتخاذ إجراءات فقط عندما تكون العملة الموحدة على شفا الكارثة. الناس في جميع أنحاء أوروبا تضرروا ففي ايطاليا واسبانيا فإنّ نسبة العاطلين عن العمل تتجاوز 40%، وفي حال تم العمل بهذه الإجراءات التي يتباحث فيها بعض الاقتصاديين لإنقاذ الاقتصاد الأوروبي فإنّ ذلك لا يعني أنّ الحلول ستكون سحرية وخاصة أنّ الاقتصاد الأوروبي معرض لانخفاض آخر يختبر صبر الأوروبيين وبما أنّ أي اقتصاد يقع في مخالب انكماش الأسعار يصعب التخلص منه وهذا دليل واضح على أنّ الوقت بدأ ينفذ من القادة الأوروبيين حسب توقيت الاقتصاد الأوروبي.