أميركا مع الواقف... إلى أن تنتهي المواقف

أميركا مع الواقف... إلى أن تنتهي المواقف

تحليل وآراء

السبت، ١ نوفمبر ٢٠١٤

 من رضا بهلوي الى بينوشيه وصولًا الى نظام الحكم في سايغون، سلطات وقيادات حكمت دول وممالك بقبضات من حديد، القاسم المشترك بينها أنها حظيت بالدعم الأميركي الكبير طوال فترة الحكم ونفذت مطالب الرب الأميركي ورعت مصالحه الى أن تغيّرت الظروف وتحوّلت.
والمشهد العربي لا يختلف عن المشاهد في الدول الأخرى، فأميركا دأبت على التخلي عن حلفائها عندما يصلون الى وضع لا يستطيعون فيه أن يقوموا بالدور المطلوب منهم، فقد تخلّت عن بن علي وحسني مبارك فور تقديرها أنهم غير قادرين على أداء مهامهم، التي من أجلها تدعمهم، وبل سارعت بكل وقاحة لتهنئة الشعبين التونسي والمصري على ثورتيهما.
إلّا أنّ القضية العربية كانت أوسع من تخلٍّ عن حليف، حيث كشفت التقارير عن حقيقة "الربيع العربي" بأنه صناعة غربية مشتركة ما بين الولايات المتحدة وقطر وتركيا، تم الإعداد والتحضير له منذ مطلع عام 2006 وذلك من خلال تبني معاهد أميركية وعربية مشروع "الديمقراطية والتغير".
المشروع تضمن إدخال أعداد من الشباب العربي في دولها، واستقدام قيادات شبابية الى الولايات المتحدة للدخول في دورات تدريبية مكثفة لبضعة أشهر في القيادة والديمقراطية، حيث تضمنت الطريقة التي تدار بها "الانتفاضات" والتجمعات ورفع الشعارات، ومن الملاحظ أنّ غالبية الشعارات التي رفعت في "الربيع العربي" كانت متشابهة "ارحل"، وضمن دروس معاهد "التغيير" هو تحويل الاعتصامات الى "متعة ونزهة" شبابية والتدريب على كيفية التعامل مع أجهزة الأمن والشرطة في المواجهات، الانترنت وشبكة التواصل الاجتماعي التي كانت أبرز الوسائل بتنفيذ هذا المشروع..
اصطدم الربيع العربي بصخرة الصمود السوري حيث عجزت التحركات المفبركة ووسائل الاعلام العربية عن اسقاط النظام، فاستبدل الاميركي خطته وأعاد طرح مشروع الشرق الاوسط الجديد بدلًا من سايكس بيكو، وبدأ الدعم بالمال والسلاح للمجموعات التكفيرية والقاعدة حتى قوي عودها، فبعد فشل "ثورات الربيع العربي" جاء دور "داعش" لتكمل ما عجزت عنه الثورات، المشروع يهدف الى تقسيم دول المنطقة الى دويلات وزعزعة الانظمة السياسية وإبدالها بالفوضى "الجهادية".
هذه الفوضى تحقق للغرب سيطرتها على مصادر الطاقة النفط وتحقيق أمن "إسرائيل"، هذان العاملان ربما هما الأساس برسم السياسة الاميركية في المنطقة. وما يدعم ذلك هو تسريب منظمة أمريكية تحت اسم "مجمعات الخبرة" الأمريكية في حزيران يونيو 2014 وثيقة مؤرخة بتاريخ 22 تشرين الأول أكتوبر 2010 تتناول حقيقة ما سمي بالربيع العربي، فحسب "لجنة فالمي" الفرنسية اعتبرت "الربيع العربي" حركة بعيدة كل البعد عن عفوية الشعوب العربية المتعطشة للتغيير السياسي ببلدانها، بل على العكس من ذلك هي خطة أمريكية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق مشروع مدروس بروية، وتعمد من طرف الإدارة الأمريكية والتي كان رائدها "روبرت فورد" رئيس الفريق الاستخباراتي المختص بالمنطقة. وحيث يكون الرب الاميركي يكون الممول الخليجي السعودي والقطري، هذا الأمر الذي أكده الأمين العام السابق للامم المتحدة كوفي عنان حيث قال إنّ "السعودية وقطر وتركيا دعمت المسلحين في سوريا"، وفي هذا السياق كشف صدام الجمل أحد قادة ألوية "أحفاد الرسول" خلال اعترافه في أحد مقرات داعش عن إجتماعات قادة الأركان مع ضباط مخابرات عرب وأجانب من بينهم سعوديون وقطريون وأردنيون وأمريكيون بحضور الأمير سلمان بن سلطان نائب وزير الدفاع السعودي وفي السياق نفسه، نشرت "لوري بلوتكين بوغارت" معهد واشنطن تقرير حول دعم السعودية ماليًا لداعش، رغم أنّ السعودية نفت ذلك.
لكنها أضافت هأنه ناك أسئلة حول الدعم السعودي للتنظيم ولا تتعلق بالضرورة بدعم رسمي ولكن بالمتبرعين الأفراد وموقف الحكومة منهم، والأهمية النسبية للدعم السعودي مقارنةً مع قدرات التنظيم المالية. وهناك دعم لهذا التنظيم داخل السعودية حيث يقوم باستهداف السعوديين من خلال حملات جمع تبرعات، وما كلام نائب الرئيس الاميركي واتهامه السعودية وتركيا وقطر الا في نفس السياق..
استولى تنظيم داعش على أراضٍ واسعة في العراق وسوريا وأعلن دولته وسرق مقاتلو الدولة 500 مليار دينار عراقي، أي حوالي 420 مليون دولار أميركي من البنك المركزي بالموصل وبعض الدراسات تتحدث عن امتلاك الدولة حوالي مليارين دولار تستخدمهم في حروبها وتوسعها لتهدد كردستان العراق وبغداد.
وما الاستعجال الاميركي الى إنشاء حلف عسكري لمنع تقدمها هو الخوف من المساس بمصالحها حيث أنشئ حلف لا يهدف للقضاء على داعش بل الى وقف تقدمها، فالتنظيم الذي أرادوا به ضرب محور الممانعة ارتدّ عليهم، أما المملكة السعودية التي تدير حربها ضد إيران أحيانًا من واشنطن ومن عواصم أخرى، فقد استمتعت السعودية بالزحف "السني" الذي قاده تنظيم "داعش" ضد الحكومة "الشيعية" في العراق، وكذلك بالتقدم الذي حققته "الجبهة الأسلامية" في سوريا، إلا أنها لم تتعلم بعد أنّ للدول مصالحها، والتفاهم الإيراني الأميركي إن حصل ستدفع هي ثمنه وسيرتد آلاف المقاتلين الجهاديين من سوريا والعراق اليها لاسترداد قبلتهم..